هم لا يستيقظون على انتهاكات
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 14 يناير 2015 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
قد لا تختلف بعض خبرات حياتنا اليومية عن خبرات الشعوب فى الديمقراطيات. جميعا نصارع من أجل الحصول على نصيب «عادل» من مقومات المعيشة الأساسية ومن التعليم والعمل والرعاية الصحية والبيئة الآمنة، جميعا نبحث عن إدارة علاقاتنا مع الآخرين وإزاء منظومات حكم/ سلطة تتفاوت سماتها وباتجاه مؤسسات وأجهزة دولة تتنوع أهدافها بين السيطرة والإخضاع وبين قبول المشاركة الشعبية والرقابة القانونية، جميعا نعانى من الأخطار والتحديات المتكررة والمتجاوزة لحدود الدول الوطنية للتغيرات المناخية ولانتشار الأوبئة ولاستمرار تمكن الفقر والجوع من ملايين البشر وأيضا للإجرام الإرهابى وللعنف وللتطرف.
أما فيما وراء ذلك، فتناقضات قاسية. نحن نستيقظ على قرارات وإجراءات وممارسات رسمية تهدم سيادة القانون ــ كتقييد حرية المواطن دون سند قانونى والحبس الاحتياطى غير المسبب وغير محدد المدى الزمنى والفصل التعسفى لطلاب الجامعات والتحفظ على ممتلكات الناس دون مساءلة ومحاسبة قضائية منضبطة وشفافة ومظالم وانتهاكات متراكمة، أما هم فى الهند وغانا والبرازيل شأنهم شأن شعوب غيرهم من الديمقراطيات فى الشرق والجنوب وفى الغرب والشمال فلا.
نحن نواجه يوميا مستويات متدنية للغاية ــ إن لم تكن منهارة ومجردة من احترام كرامة الإنسان ــ من الخدمات التعليمية والصحية، ومن أوضاع العمل غير العادلة ومن ضعف شبكات الضمان الاجتماعى، ومن الفساد الممنهج/ المؤسسى/ واسع النطاق ومن غياب سبل مكافحته، ومن انعدام كفاءة الكثير من المؤسسات والأجهزة العامة والخاصة؛ أما هم فبين خدمات متقدمة وحماية لحقوق العمالة وشبكات ضمان قوية وحالة من الكفاءة العامة والخاصة أشبه بحركة عقارب الساعة المنضبطة فى بعض الديمقراطيات وبين سعى للتقدم فى ظروف داخلية أو إقليمية أو دولية صعبة والتزام بشفافية تشرك الناس بجدية فى مكافحة تدنى مستويات الخدمات والفساد ومحدودية الكفاءة فى البعض الآخر.
نحن يحيط بنا اللامعقول من كل جانب، ضجيج فاسد فى المجال العام مصدره فرض الرأى الواحد والصوت الواحد وترويج لنظريات المؤامرة وإفك تخوين وتشويه المعارضين وتعميم للمعايير المزدوجة بشأن المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات وتغييب للمزاوجة الرشيدة بين الإدانة القاطعة للإجرام الإرهابى ورفض سوق مبررات للعنف والتطرف وكراهية الإنسانية وبين البحث بموضوعية فى مسببات هذه الشرور والحيلولة دون اعتياشها على تراكم الاستبداد والسلطوية والظلم والفساد والتهميش المجتمعى؛ أما هم خاصة فى الديمقراطيات المستقرة فيقاومون الضجيج الفاسد المستخف بسيادة القانون أو المتهاون مع الفساد أو غير الممانع للعنصرية عبر دفاع المواطن والمجتمع المدنى والدولة عن توازن مجالهم العام حتى فى لحظات الأزمة والخوف والحزن، وعبر ضخ المزيد من المقولات العقلانية (رفض الربط الظالم بين الدين الإسلامى وبين التطرف) والمزاوجات الرشيدة (بين الأمنى والمجتمعى فى مواجهة الإرهاب والعنف، بين رفض التطرف وكراهية الآخر ورفض التورط فى تطرف مضاد وكراهية مضادة وهيستيريا عقاب الآخر إن باسم هوية غربية أو باسم وطنية أوروبية)، وعبر تماسك مؤسسات وإجراءات سيادة القانون التى تحد من الضجيج الفاسد وتحول ضماناتها للحقوق وللحريات دون الانحراف طويل المدى أو واسع النطاق عن مقومات العدل وتلزم بالمساءلة والمحاسبة.
نحن كثيرا ما نكابر ونرفض التعلم من خطايا الماضى والحاضر ونجتر الآلام ومشاعر الحزن على الدماء والضحايا والكرامة المهدرة دون أن نعتبر أو نواجه بنهج عقلانى وشامل، وهم كثيرا ما يعتبرون ويتجنبون تكرار الخطايا ويرفضون فى خوفهم وحزنهم التخلى عن مكون تميزهم وسعادتهم الأصيل .. الحق والحرية.