مصر وإيران.. وما زالت المعضلة مستمرة

أحمد يوسف أحمد
أحمد يوسف أحمد

آخر تحديث: الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

مع زيارة الرئيس الإيرانى لمصر ــ وهى أول زيارة لرئيس إيرانى منذ ثورة 1979 ــ لحضور القمة الإسلامية بالقاهرة التى عقدت فى نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر أثيرت مجددا قضية العلاقات المصرية ــ الإيرانية، والشىء الواضح وضوح الشمس أن ثمة رغبة جامحة ــ أو على الأقل واضحة- لدى إيران فى تقوية التعاون بين البلدين على نحو يقترب من التحالف فيما توجد ضغوط لا لبس فيها داخلية وخارجية على مصر لوقف هذا المسار. تتضح تلك الرغبة الإيرانية فى الحديث الذى أدلى به الرئيس الإيرانى لصحيفة «الأهرام» ونشر فى السادس من هذا الشهر، ومحور أساسى فى هذا الحديث ما يمكن تسميته «بغزل صريح» لمصر، فالمؤتمر الإسلامى وفقا له مهم «وتزداد أهميته من مكانة مصر التاريخية».

 

●●●

 

والأمر الذى لا شك فيه أن كل القوى التى حاولت القيام بدور إقليمى قيادى فى المنطقة وجدت أنه من الضرورى أن يتم أولا «تحييد مصر» بالنسبة لهذا الدور أو حتى تأييده، حتى لا تستفز للدفاع عن دورها التقليدى فى المنطقة ولو كان هذا الدور قد تراجع تراجعا واضحا وصولا إلى اختفائه اللهم إلا بعض الكلمات والتصريحات الرسمية التى تعتبره «معطى» من معطيات السياسة فى المنطقة مهما بلغ التراجع أو حتى التبعية. هكذا حاول الرئيس العراقى صدام حسين مع مصر فى الجزء من فترة القطيعة العربية وبالذات فى 1989 حين أنشئ مجلس التعاون العربى من كل من العراق ومصر واليمن والأردن، فأغدق المساعدات الرسمية على مصر، وكذلك الهدايا التى كانت من نصيب أفراد النخبة الحاكمة، وكذلك نخبة الصف الثانى من رؤساء تحرير صحف وكتاب فى هذه الصحف ورجال إعلام وقيادات حزبية، واستمر هذا الوضع حتى غزو الكويت فى أغسطس 1990، لكن الرئيس العراقى لم يستطع ولو بالحد الأدنى أن يحقق أى صورة من صور التأييد المصرى لغزو الكويت أو حتى السكوت عليه، وانقض مجلس التعاون العربى من داخله، وحدثت قطيعة مصرية ــ عراقية استمرت حتى الغزو الأمريكى للعراق حين تحسنت العلاقات بين البلدين، وإن كان ذلك قد تم للأسف تحت «السقف الأمريكى». هكذا يلمح الرئيس الإيرانى دون جدوى بمساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر وكأنه لم يقرأ دروس التاريخ القريب.

 

●●●

 

لكن الرئيس الإيرانى يبدو أنه إما لا يعرف طبيعة الصعوبات التى تعترض عودة العلاقات المصرية ــ الإيرانية إلى ما كانت عليه إبان عهد الشاه والسادات على سبيل المثال، وإما أنه يعرف لكنه يحاول أن يداور ويناور لعل وعسى، وقبل أن نستعرض باختصار هذه الصعوبات نقول إنها المسئولة عن المؤشرات المتعارضة فى زيارة الرئيس الإيرانى لمصر، فثمة مؤشر إيجابى برز فى البداية وهو الاستقبال الذى وصف بأنه «حار» للرئيس الإيرانى بمطار القاهرة، حيث تصافح الرئيسان بحرارة بعد أن استقبله رئيس الجمهورية المصرية على سلم الطائرة وقبَّلَه فور هبوطه، ثم توجه الرئيسان إلى الاستراحة الرئاسية بالمطار حيث عقدا جلسة مباحثات تناولت آخر المستجدات على الساحة الإقليمية وسبل حل الأزمة السورية، وسبل تدعيم العلاقات المصرية ــ الإيرانية، واعتبرت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية أنه على الرغم من خلافات واسعة فى قضايا سوريا والخليج وحتى القضية الفلسطينية فإن النظامين «إسلاميان»، وهو ما يوجد أرضية مشتركة لعودة علاقات مقطوعة منذ الثورة الإيرانية 1979 وفرتها ثورة 25 يناير أو «ثورة النيل» بحسب تسمية الصحيفة، وهو حكم مبالغ فيه كما يتضح من مضمون هذه المقالة.

 

غير أن المؤشرات المعارضة سرعان ما بدأت فى الظهور، وتمثل ذلك فى زيارة الرئيس الإيرانى الأزهر الشريف الذى حرص على الإشارة بعلامة النصر لدى دخوله مقر مشيخته، غير أن لقاءه شيخ الأزهر لم يكن إيجابيا بالمرة، وهو لقاء حضره بالإضافة إلى الإمام الأكبر مفتى الديار المصرية وهيئة كبار العلماء، وكان لافتا أن شيخ الأزهر لم يحضر المؤتمر الصحفى الذى عقده الرئيس الإيرانى بعد اللقاء، واكتفى ــ فيما يعد إهانة دبلوماسية واضحة ــ بتفويض كبير مستشاريه لحضور المؤتمر الذى تلا فيه بيانا من الواضح أنه أثار امتعاض الرئيس الإيرانى، إذ قال البيان إن شيخ الأزهر قد «طالب الرئيس الإيرانى باحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وعدم التدخل فى شئون دول الخليج»، و«طالب بوقف النزيف الدموى فى سوريا الشقيقة والخروج بها إلى بر الأمان»، وأضاف البيان أن شيخ الأزهر طالب الرئيس الإيرانى «بضرورة العمل على إعطاء أهل السنة والجماعة فى إيران خصوصا فى إقليم الأهواز حقوقهم الكاملة كمواطنين»، كما أكد أنه «يرفض المد الشيعى فى بلاد أهل السنة والجماعة» مؤكدا أنه «أمر بالغ الخطورة، ومصر كانت وما زالت معقلا لأهل السنة والجماعة، والأزهر الشريف يرفض رفضا قاطعا جميع محاولات نشر التشيع بين أهل مصر وشبابها». وأشار إلى أن الإمام الأكبر «أبدى استنكاره خلال اللقاء لما يتعرض له صحابة الرسول والسيدة عائشة رضى الله عنهم من سب من قبل البعض فى إيران» مؤكدا «رفض الأزهر تلك الممارسات جملة وتفصيلا».

 

وأما المؤشر الثانى المعارض فتمثل فى تظاهر عشرات من السلفيين أمام مشيخة الأزهر احتجاجا على زيارة الرئيس الإيرانى، ورفعوا لافتات مؤيدة لسوريا، وشدد حزب النور «السلفى» على أن «مصر ستقف بشدة أمام أى محاولات إيرانية لاختراق الدول الإسلامية سياسيا أو ثقافيا أو عسكريا»، وأشار فى بيان إلى أنه «لابد من أن يدرك النظام الإيرانى أن أمن الخليج من مفردات الأمن القومى المصرى»، داعيا الرئيس مرسى إلى «الحديث مع الرئيس الإيرانى عن اعتراض مصر الشديد على دعم النظام الإيرانى نظام بشار الأسد سياسيا وعسكريا، وهو الدعم الذى ساعد على استمرار مسلسل القتل والتشريد لأبناء سوريا الحبيبة»، كما طالب «بإظهار موقف مصر من اضطهاد النظام الإيرانى لأهل السنة فى إيران». كما طالبت الدعوة السلفية بتحديد إقامة الرئيس الإيرانى مشددة على ضرورة منع زيارته الأماكن التى يزعم الشيعة أنها ملك لهم، ولعل هذا يتسق مع الهجوم الذى تعرض له الرئيس الإيرانى لدى خروجه من زيارة ضريح الإمام الحسين رضى الله عنه. ومن ناحية ثالثة حذر الداعية السلفى محمد حسين يعقوب فى خطبة الجمعة التى ألقاها فى الثامن من هذا الشهر من خطر زيارة الرئيس الإيرانى على مصر خاصة وعلى الإسلام عامة.

 

وأهمية هذه المعارضة الأزهرية والسلفية لإيران ورئيسها كما قال الناطق باسم رئيس الجمهورية بحق إن الحكومات لا تستطيع فى سياساتها أن تتجاهل الرأى العام الداخلى، سواء كان ذلك من باب الديمقراطية أو خشية فقدان قاعدة تأييد سياسية، كما هو الحال بالنسبة للسلفيين فى علاقتهم بالحكم الراهن فى مصر.

 

●●●

 

أما الصعوبات العربية فهى واضحة، فمصر لا تستطيع أن تنسلخ عن محيطها العربى قوميا أو مصلحيا، ومن ثم لا تستطيع أن تتجاهل البعد العربى لأى تقارب مع إيران، كذلك فإنه من نافلة القول إن تقاربا مصريا ــ إيرانيا لن يكون موضع رضا أمريكى أو إسرائيلى لأسباب معروفة، ومن ثم فإن ثمن هذا التقارب باهظ للغاية بالنسبة للمصالح المصرية. المعضلة إذن إن ثمة جدوى واضحة لتطوير التعاون المصرى ــ الإيرانى، لكن ضغوطا هائلة تحول دون ذلك، ومن هنا يبدو أن هذه المعضلة سوف تعيش معنا طويلا.

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved