هل المقصود غزة.. أم الضفة؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 14 فبراير 2025 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

هل اقتراح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتهجير أهل غزة من أرضهم كلام جاد أم «قنبلة دخانية» حتى يمكن تمرير هدف أسمى وأكبر هو ضم واستكمال تهويد الضفة الغربية؟

ظنى أنه كان يقصد ذلك فعلًا فإن حقق هدفه فسيكون قد قدم أفضل خدمة لإسرائيل اعتقادًا أن ذلك سوف يدخله التاريخ حتى لو كان من أسوأ الأبواب، وإذا فشل وهذا هو المنتظر فسوف يأتى الينا كعرب ويقول ما معناه: آسف، لقد اقتنعت بوجهة نظركم ومستعد لسحب مقترحى بتهجير الفلسطينيين، لكن فى المقابل أريد منكم كعرب أن تنفذوا لى مجموعة من المطالب. أولها أن يتم نزع سلاح المقاومة بالكامل من غزة وثانيها أن يخرج كبار قادة حماس ويتم نفيهم خارج القطاع، وثالثًا أن تتولى إدارة دولية أو عربية إدارة قطاع غزة، بمشاركة وإشراف أمريكى، ورابعًا أن يتم تنفيذ مخطط التهجير فى الضفة الغربية بدلًا من غزة، لأننا قررنا ضم الضفة إلى إسرائيل.

نعلم تمامًا أن الهدف الإسرائيلى الأكبر هو تنفيذ خريطة إسرائيل الكبرى الموجودة فى عقول وقلوب غالبية الإسرائيليين وعلى جدران الكنيست. ونعلم أن أهداف إسرائيل الموجودة فى الأدراج الصهيونية منذ عقود، يتم تنفيذها خطوة خطوة حسب الظروف على الأرض، وبالتالى وبعد تدمير غزة، يتم الآن تدمير أكبر قدر من الضفة، كما نرى فى جنين وطولكرم.

من أجل كل ذلك علينا أن نكون منتبهين ألا نقع فى هذا الكمين الخطير. ولم ينتبه الكثيرون لما قاله ترامب خلال لقائه بالعاهل الأردنى عبدالله الثانى، مساء يوم الثلاثاء الماضى، بأنه يعتقد أن خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية سوف تنجح تمامًا. هذا التصريح هو ضوء أخضر للإسرائيليين كى يسرعوا بتنفيذ الخطة، خصوصًا أن وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتيريتش هو نفسه صاحب «خطة الحسم»، والتى كتبها كدراسة أكاديمية منذ ثمانى سنوات ولخصها بأن أمام الفلسطينيين ٣ خيارات لا رابع لها، وهى إما أن يقبلوا العيش فى إسرائيل الكبرى كمواطنين من الدرجة الثانية، وإما أن يتم ترحيلهم للخارج، وإما أن يتم قتل كل من يقاوم هذه الخطة.

أخشى أن نفرح كعرب حينما يتم إحباط خطة ترامب بشأن غزة ونعتقد أن المشكلة قد انتهت، ثم نكتشف أن غزة كانت العصفورة التى يريدون أن يصرفوا بها عنا الهدف الأكبر والأخطر.

علينا أن ندرك أن المخطط طويل والمعركة أطول، والمشكلة أن الإسرائيليين يعتقدون أن لديهم فرصة قد لا تتكرر كثيرًا لتنفذ مخططهم الأكبر، مدعومين بوجود رئيس فى البيت الأبيض يزايد على مطالب الكثير منهم، بصورة لم يحلموا بها، وبصورة لم يتخيلها العرب فى أشد كوابيسهم قتامة ومأساوية.

الموقف العربى يبدو قويًا والموقف المصرى أكثر من قوى وصامد وواضح وحاسم. علينا أن نستغل هذه الحالة من التوحد العربى والإسلامى بصورة عملية حتى تصل الرسالة واضحة إلى كل من واشنطن وتل أبيب بأن العرب لم يموتوا بعد.

لا يعنى الاعتقاد لأن خطة ترامب ستفشل أن نركن ونعتقد ان المعركة انتهت، بل لا بد من استمرار التحرك والمواجهة الدبلوماسية والسياسية مع أمريكا وإسرائيل، وطرح البدائل العملية لإعادة إعمار غزة مع بقاء سكانها الفلسطينيين فى أرضهم.

المؤكد أن ترامب يدرك أن خطته غير عملية وغير قابلة للتنفيذ، لكنه، ولأنه مطور وتاجر عقارات كبير يؤمن بالصفقات والمساومات وليس بالقوانين والاتفاقيات والمبادئ، فهناك احتمال كبير أنه طرح هذه الخطة، لكى يحقق منها مكاسب كبيرة لإسرائيل وله شخصيًا.

البعض قال إن ترامب وعائلته سوف يستفيدون شخصيًا من هذه الصفقة، لكنه نفى ذلك، وسوف نصدقه مؤقتًا، وأغلب الظن أنه يسعى لرد الجميل لقاعدته الانتخابية واللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة الذى موّل حملته الانتخابية بملايين الدولارات خصوصًا المليارديرة الإسرائيلية الأمريكية الصهيونية ميريام أدلسون التى تبرعت بمفردها بـ٢١٧ مليون دولار لترامب. هذا المخطط سوف يفشل بنسبة كبيرة، بالنظر إلى عدم معقوليته ورفض وصمود الشعب الفلسطينى والموقف المصرى الحاسم ومعه الموقف الأردنى والعربى والعالمى.

وحينما يصف المستشار الألمانى أولاف شولتز الخطة بأنها «فضيحة»، وحينما يقول الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن غزة «ليست صفقة تجارية»، وحينما ترفض بريطانيا الخطة، وحينما تعارضها روسيا والصين وكل العالم العربى والإسلامى، فالمؤكد أن هذه الخطة التى تنتمى إلى العصر الاستعمارى السحيق سوف تفشل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved