استباق المزاج الشعبى من حسن الفطن
سلمى حسين
آخر تحديث:
الجمعة 14 فبراير 2025 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
من وقت يناير ٢٠١١ كان الربط حاضرًا وقويًا.. وها هو اليوم يعيد نفسه بمعنى ما..
من أول يوم، ربط المواطنون فى «الميدان» بشكل عضوى بين موقف النظام من القضية الفلسطينية والخلاص من سياسات مبارك الداخلية- سواء الاقتصادية منقوصة النزاهة والمعادية للعدالة الاجتماعية، أو السياسية غير العابئة للحريات ولأهمية توسيع المشاركة الشعبية.
وجه الشبه بين اللحظتين هو تكالب الأزمات الصعبة..
لنتذكر أن يناير جاء بعد أزمة عالمية فى ٢٠٠٧-٢٠٠٨، أدت إلى زيادة أسعار الطاقة والغذاء، مما خلق ضغوطًا تضخمية فى مصر (والعالم النامى)، وبعد انسحاب إسرائيل من غزة وضربها بالطائرات، وبعد مجىء حكومة أحمد نظيف التى سكتت عن حصار وتجويع غزة وأطلقت مشروع الكويز (الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل) كما فتحت الباب لزواج المال بالسلطة، دون أطر حوكمة مناسبة (والتى يرى البعض أننا ربما نفتقدها حتى اليوم). انتهاء بتزوير الانتخابات البرلمانية.
تلف الأيام ونلاقى أنفسنا أمام معضلات أصعب:
مطالب شعبية ونخبوية تتسع بالمزيد من العدالة الاقتصادية والاجتماعية- مع فتح أفق فتح المجال العام- والحريات السياسية الأساسية، وهذا بالتزامن مع اضطرابات وضغوط خارجية غير مسبوقة فى فلسطين المحتلة ولكن أيضا على كل خط حدودى لمصر..
يسبق كل ذلك، ويشعل خطورة الوضع داخليا (وعالميا)، أطول فترة من التضخم الأكثر ارتفاعا فى التاريخ الحديث فى مصر وحولها. وكما يعلمنا التاريخ، فالتضخم هو مفجر الشعوب.
من الطبيعى أن تخشى أى حكومة رشيدة من أى تغييرات جذرية، فى تلك اللحظة، قد تؤثر على الاستقرار السياسى (والاقتصادى).
وهو خوف مشروع، قد يخفف منه الإبكار فى التحرك.
ولكن الخوف الحقيقى هو أن تضطر الحكومة لإجراءات إصلاحية صغيرة تتأخر نتائجهاtoo little-too late.
الشطارة هى كيفية الموازنة بين ضرورات تعديل المسار كى تكسب استقرار الجبهة الداخلية، وبين الحفاظ على الأمن والاستقرار.
هكذا فعلت الممالك العربية، مثل الأردن والمغرب ومن بعدهم المملكة العربية السعودية، خلال العقد الماضى، بدرجات متفاوتة. ونجحت فى امتصاص الانفجارات الكبرى.
هى إذن مهمة فى غاية الصعوبة، ولكنها ليست بالمستحيلة..
إلا أن رجالها لا يجب أن يكونوا ممن يتصدرون الساحة- لأكثر من سبب: لعل أوضح الأسباب هو العامل النفسى.. فتغيير كبير فى طواقم الصفوف الأولى يعنى أن الدولة «مدركة» أن هؤلاء -مهما علا الرضا عن أدائهم- قد فقدوا مصداقيتهم أمام قطاع عريض من المواطنين. وتغييرهم رسالة قوية معناها إدراك لأهمية المحاسبة على أدائهم -نزولا على رأى الشعب الذى لم يعد يرضى عنهم بالقدر الذى يسمح لهم بالاستمرار. (ولعل فى الانتخابات البرلمانية نافذة مناسبة لمثل تلك رسائل).
أما الأصعب، فهو إرسال رسالة داخلية حقيقية عبر حزمة من الخطوات -وليس عبر الأشخاص فحسب- التى تشير إلى تعديل مسار حقيقى لا شكلى.
هل يعتبر الحوار الوطنى نقطة بداية؟
قد تكون مخرجات الحوار الوطنى نقطة انطلاق «ضرورية، ولكنها غير كافية» بسبب تأزم الأوضاع داخليا وخارجيا مقارنة بنقطة بدء الحوار، وبسبب قصور الحوار عن خلق الزخم اللازم للتغيير، خاصة بسبب رسائل الحكومة السلبية فى تقبل تلك المخرجات.
مثال آخر من دروس يناير: قامت المظاهرات لتطالب فقط بتغيير وزير الداخلية (المسئول الأول عن التعذيب والحبس خارج إطار القانون وعن التزوير).. ارتفع سقف المطالب حين استمر الضغط الشعبى فى التصاعد فى معظم ميادين مصر شمالها وجنوبها ووصل إلى المصانع (رغم محاولات الإخفاء والتصدى والتهدئة عبر سياسات العصا والجزرة). وحين استجاب مبارك- رغم أن استجابته جاءت بعد أسبوع، أى أسرع كثيرا من بن على فى تونس- كان الوقت قد تأخر.. فحين عين شفيق رئيسا للوزراء (وقد كان وجها مقبولا قبل يناير) كان الرأى العام قد تجاوزه إلى مطالب أعلى.
خطوات أكبر وأسرع هى إذن لازمة، حيث تتسبب الأزمات المركبة فى ارتفاع السخط الشعبى من ناحية- مبررا كان أم مبالغا فيه، وفى ارتفاع الوعى الجمعى بنواقص أى تجربة سياسية أو تنموية، ومن ثم يصعب نيل الرضا العام بتغييرات الحد الأدنى.
وفى هذا التغيير فرصة ضرب المثل لعديد من دول الجوار، حيث تتوجه أنظار الشعوب فى مثل أزمات، تطال آثارها المنطقة بأسرها، إلى مصر لاستلهام العبر وتلمس النجاحات.
فإذا نظرت الحكومة على أن اصطفاف الشعب حولها من أجل القضية الفلسطينية كافٍ حاليا للتغطية على الغضب الشعبى سياسيا واقتصاديا تكون القراءة قاصرة وخطرة. والفرصة الضائعة كبيرة. استباق مطالب الشعب والمزاج الشعبى من حسن الفطن.