خطة عمل.. كيف تُفشل مصر خطط التهجير وتحمى أمنها وتنتصر لفلسطين؟

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الجمعة 14 فبراير 2025 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

  أصبح واضحًا للإدارة الأمريكية أن الموقف المصرى الرافض لتهجير الفلسطينيين والفلسطينيات من قطاع غزة هو موقف مبدئى غير قابل للمساومة. تعددت التصريحات الرسمية، وتدرجت من وزارة الخارجية إلى رئاسة الجمهورية وفقًا لنسق تصاعدى محسوب ومطلوب، وأجمعت على المزج بين «لا» للتهجير و«لا» لاستقبال الأشخاص المهجرين على الأرض المصرية رابطة بين رفض تصفية القضية الفلسطينية وبين رفض المساس بسيادتنا الوطنية وأمننا القومى.

بل ورتب تكرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتصريحاته المتعلقة بإخلاء غزة من سكانها ومطالبة مصر والأردن باستقبالهم وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع، رتب غضبًا مصريًا ترجمته بداية إشارات رسمية علنية إلى أن تهجير سكان غزة من أرضهم جريمة يرفضها العرب جميعًا والمجتمع الدولى وأن التورط فيها يهدد معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية ١٩٧٩، ويضع الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر على المحك. ثم ترجم الرئيس عبدالفتاح السيسى الغضب الرسمى والشعبى، وبعد أن أشار ترامب إلى إمكانية تجميد المساعدات العسكرية والاقتصادية، إلى خطوة دبلوماسية موفقة بتأجيل زيارته إلى الولايات المتحدة لأجل غير مسمى.

•••

الشاهد أن تعامل الحكومة المصرية مع الترويج الإسرائيلى والأمريكى لخطط التهجير الإجرامية ومع كل الملفات المرتبطة بالوضع الراهن فى غزة وتداعياته الكثيرة ينبغى أن يستند إلى قراءة استراتيجية واضحة أهدافها الكبرى هي:

1) إفشال التهجير ومن ثم درء خطر تصفية القضية الفلسطينية.

2) حماية الأمن القومى المصرى من تهديدات عديدة حتما سترد عليه حال وقوع التهجير.

3) الابتعاد التام عن التورط فى الحروب والصراعات العسكرية والالتزام الكامل بمبادئ التفاوض والوساطة والتسوية السلمية لإنهاء الحروب واحتواء الصراعات، ومن ثم الحفاظ على استقرار معاهدة السلام مع إسرائيل (١٩٧٩) دون أن يعنى ذلك قبول أى اعتداء أو افتئات على السيادة الوطنية.

4) إبعاد الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهى شراكة تفيد الطرفين ثنائيا وإقليميا فى الشرق الأوسط وفى مواقع أخرى (إقليميا فى القرن الإفريقى على سبيل المثال وعالميا مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولى والبنك الدولي)، إبعادها عن حافة الهاوية التى يقرب منها الترويج الأمريكى لخطط التهجير وتدفع باتجاهها تهديدات تجميد المساعدات.

5) الاستعداد لمواجهة ضغوط واشنطن المحتملة على القاهرة لتمرير التهجير واستقبال الأشخاص المهجرين من خلال تعبئة أدوات القوة المصرية وتفعيل بدائل المساعدات الأمريكية عسكريًا واقتصاديًا.

6) مواجهة خطط الضم والاستيطان التى ينفذها اليمين الإسرائيلى المتطرف فى الضفة الغربية وتستهدف الإلغاء الكامل للحق الفلسطينى فى تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.

7) التضامن مع الأردن الذى تعرضه خطط التهجير من غزة والضم فى الضفة لتحديات وجودية (خطر الوطن الفلسطينى البديل).

8) استعادة وحدة المسار بين الأراضى الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال سلطة فلسطينية موحدة ذات شرعية رسمية وشعبية.

9) مواصلة التنسيق داخل «الخماسى العربى» (أعضاؤه هم مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر) لكى تعود إلى الواجهة مبادرة السلام العربية (٢٠٠٢) المستندة إلى مبدأ الأرض مقابل السلام واستعادة الأراضى العربية المحتلة (١٩٦٧) نظير التطبيع مع إسرائيل.

10) وعلى الرغم من الصعوبات الكثيرة والضمانات المحدودة وإن أمكن، العمل مع إدارة دونالد ترامب لإطلاق مفاوضات سلام وأمن شاملة فى الشرق الأوسط.

• • •

للاقتراب التدريجى من إنجاز هذه الأهداف الاستراتيجية العشرة، وذلك أمر سيستغرق غير القليل من الوقت، يتعين اليوم على كل مؤسسات الدولة المصرية التحرك بقوة لتنفيذ الخطوات المباشرة التالية:

1) تثبيت ترتيبات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس والإبقاء على آلية التنسيق الثلاثى بين مصر وقطر والولايات المتحدة -كالأطراف الراعية- نشيطة.

2) الإنفاذ الفورى لما يكفى من المساعدات الإغاثية والإنسانية الضرورية لمليونى فلسطينى وفلسطينية هم سكان القطاع، وهو ما يستدعى ضمان التزام إسرائيل بعدم منع أو تعويق دخول المساعدات وضمان التزام حماس بعدم مخالفة شروط وقف إطلاق النار.

3) الإعلان عن "الخطة المصرية" المتوافق عليها فلسطينيا وعربيا لإعادة إعمار غزة مع بقاء أهلها على أرضهم وتعبئة الموارد المادية (معدات ثقيلة ومواد بناء ومنازل متحركة ووحدات مياه وصرف صحى وكهرباء ورعاية صحية متنقلة مع إعطاء أفضلية تامة للتكنولوجيات الجديدة والتقنيات الصديقة للبيئة) والمالية (عربيا وأوروبيا) والتنظيمية (قدرات حكومية وأمنية فلسطينية وبعض القدرات العربية) والعقارية (شركات عقارية خاصة من مصر ومن غيرها عربيا وعالميا) والبشرية (اليد العاملة الفلسطينية فى غزة التى تتطلع إلى إعادة إعمار المدن والقرى وتحتاج إلى مصادر دخل بعد الإنهاك الشامل لأهل غزة فترة الحرب).

4) فور الإعلان عن خطة إعادة الإعمار وبناء التوافق حولها فلسطينيا وعربيا ودوليا، الإطلاق السريع لجهود إعادة الإعمار على نحو يضمن لأهل غزة الاستعادة التدريجية للأمن الإنسانى بمضامينه الشاملة (من مياه الشرب النقية وخدمات الصرف الصحى الملائمة إلى المسكن المناسب والرعاية الصحية والخدمات التعليمية)، وعلى نحو يعول أيضا على التدرجية الضرورية لإعادة الإعمار عملياتيا (إزالة الركام ثم إنشاء المرافق الأساسية والبنى التحتية وبناء المساكن والمدارس والمستشفيات وغيرها) وجغرافيا (فتكون البداية جنوب القطاع حيث دمار الحرب أقل من الوسط وأقل كثيرا من الشمال الذى دمر بالكامل) وزمنيا (من ٣ إلى ٥ سنوات).

5) التواصل مصريًا وفلسطينيًا وعربيًا (من خلال «الخماسى العربى») مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومسئولى إدارته، وهم جميعا طالبوا بتقديم «بدائل عملية» لخطط التهجير، لإقناعهم فى أحسن الأحوال بخطة إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها أو لتفريغ ادعائهم بكون «التهجير لا بديل له» من المضمون أمام الرأى العام الأمريكى والعالمى.

6) التنسيق الدبلوماسى مع القوى الدولية الرافضة لخطط التهجير كالاتحاد الأوروبى والصين وروسيا وكذلك مع منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة التى أدانت الترويج الإسرائيلى والأمريكى لجريمة التهجير لكى تتصاعد الضغوط على حكومة تل أبيب وإدارة واشنطن.

7) الإسهام مصريا فى صناعة التوافق بين القوى الفلسطينية بشأن مستقبل الحكم والإدارة والأمن فى قطاع غزة وفقا لصيغة تستبعد عودة حماس إلى إدارة شئون القطاع وتدرك أيضا الصعوبات التى تواجهها السلطة الوطنية الفلسطينية فى وضعها الراهن وتعمل على تجديد دماء منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطنى جامع يمكن أن يخرج منه تركيبة فلسطينية مقبولة للحكم والإدارة والأمن.

8) الربط فى الخطاب الرسمى المصرى وفى التحركات الدبلوماسية والسياسية الصادرة عن القاهرة بين رفض الخطط الإجرامية للتهجير من غزة وبين رفض خطط الضم والاستيطان الإجرامية أيضا التى ينفذها اليمين الإسرائيلى المتطرف فى الضفة الغربية لكى يقضى تمامًا على الحق الفلسطينى فى تقرير المصير والدولة المستقلة.

• • •

لكى تنجح مصر فى تنفيذ هذه الخطوات الثمانى المباشرة، على صناع القرار فى مؤسسات الدولة، وكذلك على صناع الرأى العام وعموم الناس تذكر أن بلادنا لديها من مصادر القوة وتملك من أدوات السياسة وتتاح لها من مساحات الحركة داخليًا وإقليميًا وعالميًا ما يؤهلها للعمل الفعال دون تردد أو قلق أو تراجع. وأحسب أن من بين أهم مصادر القوة وأدوات السياسة ومساحات الحركة تلك ما يلى:

1) قوة صوت السلام الذى تجسده مصر فى الشرق الأوسط كالدولة العربية الأولى التى أنهت حالة الحرب بينها وبين إسرائيل، وسعت إلى التسوية التفاوضية للصراع بين العرب وإسرائيل وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام، ونادت بإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وأدانت سباقات التسلح والصراعات العسكرية والصراعات بالوكالة التى قوضت الأمن الإقليمى. ومازالت مصر تجسد صوت السلام هذا دون أن يدفعها الجنون المحيط بها من كل جانب إلى التخلى عنه أو التورط فى أعمال تصعيدية.

2) القوة العسكرية التى تضمن التزام مصر الاستراتيجى بالسلام وتحمى سيادتها وأمنها كقوة دفاعية فى المقام الأول وقادرة فى المقام الثانى على تطوير فعلها فى اتجاهات أخرى إن استدعت الحاجة ذلك (وهو ما لا يتمناه أحد).

3) قوة التضامن الشعبى مع الموقف الرسمى الرافض للتهجير ولتصفية القضية الفلسطينية ولتهديد الأمن القومى، والرافض أيضا للضغط على مصر بتلويح من هنا أو هناك بتجميد مساعدات عسكرية أو اقتصادية نستطيع الاستغناء عنها إن كان مقابلها هو الاعتداء على السيادة الوطنية والأمن القومى ودفعنا إلى التنكر لقضية فلسطين التى لم تتخل عنها يوما، لا شعبيا ولا رسميا.

4) أدوات السياسة الكثيرة التى تمكن مصر من الاضطلاع بدور رئيسى فى ترتيبات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وفى التقريب بين القوى الفلسطينية، وفى تعبئة المواقف العربية الرافضة للتهجير والضم، وفى الفعل المنضبط فى مواجهة اليمين الإسرائيلى المتطرف الذى يدرك اليوم أن جنونه يهدد معاهدة السلام بين البلدين، وفى الفعل المنضبط أيضا إزاء الإدارة الأمريكية التى نرغب فى صداقتها ونريد الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية معها دون أن يعنى ذلك تناسى أن الشراكة تفيد البلدين أو قبول تأييد الولايات المتحدة للتهجير أو الصمت على تلويحها بتجميد المساعدات دون رد قاطع ومحسوب.

5) أدوات السياسة والدبلوماسية الكثيرة التى تمكن مصر من قيادة العالم العربى فيما خص تطوير وصياغة خطة لإعادة إعمار غزة مع بقاء أهلها على أرضهم وبناء التوافق فلسطينيا وعربيا حولها ومخاطبة القوى الدولية وضمير العالم بكون التحجج بضرورة تهجير سكان غزة لإعادة الإعمار هو طرح متهافت لا تحركه سوى الأطماع الإسرائيلية والانحيازات الأمريكية.

6) مساحات الحركة المتنوعة التى يعطيها للحكومة فى إدارتها للأزمة الراهنة داخليًا التضامن الشعبى، وإقليميا الثقة الفلسطينية والأردنية والعربية فى الدبلوماسية المصرية، وعالميا التاريخ الطويل من الفعل السياسى المصرى كقوة سلام تبحث عن استعادة الاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط بتمكين الشعب الفلسطينى من تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، والانخراط فى علاقات تعاون وصداقة بين جميع الشركاء فى منطقتنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved