المصالحة العربية.. إلى أين؟
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
السبت 14 مارس 2009 - 7:18 م
بتوقيت القاهرة
سيطرت أحاديث المصالحة العربية على التحركات السياسية التى ملأت أجواء عدد محدود من العواصم العربية، طوال الأيام الماضية، بعد أن اكتشفت القيادات العربية متأخرة أن التصدع الموغل فى صفوفها نتيجة لتضارب الرؤى والمصالح، وقد انعكس على الأوضاع المتردية فى المنطقة، هو علة العلل ومن صنع أيديهم..
ولا يبدو مع ذلك أن الزعماء قد نجحوا فى تحديد استراتيجية مشتركة إزاء القضايا الرئيسية التى تمزق العالم العربى، بدءًا من صعود اليمين المتطرف فى إسرائيل، والتحدى الإيرانى، والتطورات الجارية فى العراق ولبنان، والمصير المجهول للسودان.
ولا يبدو من النتائج المعلنة عن هذه الاجتماعات، أن ثمة أفكارا وتوجهات جديدة نوقشت للتكيف مع التطورات العالمية التى بدأت تظهر مع تحركات الإدارة الأمريكية الجديدة، وهى توشك أن تدخل تعديلات جوهرية لتصحيح انحرافات الإدارة السابقة للرئيس بوش، سواء تجاه التعامل مع إيران وكوريا الشمالية وكوبا، أو حيال روسيا وسياساتها الدفاعية، والعقلانية الجديدة التى هبطت على إدارة أوباما والغرب عموما إزاء أفغانستان والحوار مع القوى المعتدلة فى طالبان، واستعداد بريطانيا للحوار مع الجناح السياسى لحزب الله، وفرنسا مع حماس..
اهتم العرب الزعماء ــ كا هى العادة القبلية القديمة ــ بتصفية النفوس مما جرى من تبادل للتطاول والإهانات، والعمل على وضع حد لمحاولات تدخل أطراف عربية صغيرة ــ مثل قطر ــ لتلعب أدوارًا كبيرة فى مشكلات دولية معقدة.. قد يكون لها فائدة لو خلصت النوايا وأحسن توظيفها وتنسيقها، كما تفعل الدول المتحضرة، ولكن هذه لعبة لا يجيدها العرب، ولا يملكون ذهنيتها، بل سرعان ما تشتعل بينهم نيران الغيرة الشخصية والاعتداد الزائف بالكرامة.
وقد بدا واضحا أن الدافع للمصالحة العربية، ليس ضغوط التغيرات الدولية الجارفة بقدر التحسب لما يمكن أن يتحول إليه مؤتمر القمة العربية فى الدوحة، إلى مسرح للمعارك السياسية والفضائح العربية، مع أن الكل يعلم أن قرارات القمم شىء، وما ينتهج من سياسات على أرض الواقع شىء آخر.
ومع ذلك فالأمر شبه المؤكد أن القادة العرب، لم يركزوا على شىء قدر التركيز على المشكلة التى اخترعوها لأنفسهم بإيعاز من أمريكا وهى احتواء «التحدى الإيرانى» وكيف يمكن استخلاص سوريا من خيوط الشباك الإيرانية المعقدة وسياسات الممانعة، وإغراؤها بالمكاسب والمزايا التى تعيدها إلى قلب المشهد العربى فى إطار محور الاعتدال الذى تشجعه أمريكا، لاحتواء النفوذ الإيرانى، وإحباط تحركاته وأهدافه.. بعد أن ساد الاعتقاد بأن تأييد سوريا لحزب الله وحماس وقوى الممانعة، مرجعه الأساسى إلى التحريضات والمؤامرات الإيرانية..
وهى رؤية تنطلق من اختلاف جذرى بين معسكرين عربيين فى التعامل مع مشكلات المنطقة، تشكلت وتفاقمت تحت ضغط الإخفاق الذريع لمجمل السياسات الأمريكية الإسرائيلية فى تحقيق ما يسمى بالتسوية السلمية، وكانت سببا فى تفسخ الجامعة العربية وزيادة التطرف والبحث عن مصادر أخرى للدعم عن طريق إيران أو تركيا، خارج إطار المنظومة العربية.
وبينما يدعو خبير عربى دولى مشهود له هو الدكتور محمد البرادعى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة، الدول العربية، للتدخل فى حل السجال القائم حول البرنامج النووى الإيرانى، ويجد من الغريب والمفاجئ أن تقصى الدول العربية نفسها عن الحوار الدائر بين الغرب وإيران، تاركة للأطراف الأخرى إمكانية التدخل تأمينا لمصالحها، وحتى لا تجد الدول العربية نفسها أمام صفقة أمريكية إيرانية سرية لا يعرف أحد بنودها.. تتوالى صيحات التحذير من جانب أصوات عربية مرتعشة، تعارض أى حوار عربى إيرانى تحت ظلال قوى نووية صاعدة، سوف تحاول إملاء شروطها وفرض هيمنتها على الدول العربية وتعيد إحياء أطماعها فى الخليج!!..
وهى كلها اتهامات وهواجس لا يقوم عليها دليل، ولا يمكن مقارنتها بالأفكار الماثلة مثول الشمس فى وضح النهار من جانب تهديد نووى إسرائىلى قائم بالفعل، لا يكف لحظة عن قضم وابتلاع الأراضى الفلسطينية.. ومع ذلك فلا ينقطع الحوار معها لحظة واحدة، حتى فى أشد ظروف القهر والعدوان البربرى الغاشم!.
ومن أسف فإنه على كثرة ما تعج به عواصم عربية من مراكز للأبحاث والدراسات، لم يفكر أحد فى استطلاع البدائل الممكنة، لو أجرى العرب حوار جادا معمقا مع إيران يضمن تبادل المصالح وعدم التدخل والحفاظ على الأمن فى الخليج.. كما شرعت دول الغرب فى ذلك.
فهل يمكن أن تسفر تلك المصالحات العربية عن استراتيجية عربية مستقلة؟.
أم قد تكون أقصر الطرق لدفن جذوة النار تحت الرماد دون إخمادها؟!.