هل يفشل الإصلاح العربى؟
بسمة قضماني
آخر تحديث:
الأربعاء 14 أبريل 2010 - 1:48 م
بتوقيت القاهرة
أطلقت مبادرة الإصلاح العربى هذا الأسبوع تقريرها الثانى عن حالة الإصلاح فى العالم العربى. يقوم التقرير بتقييم تطور عشر بلدان عربية من خلال مقياس مكوّن من أربعين مؤشرا مقسمة إلى نوعين: المؤشرات التى تقيس الوسائل المتوافرة للتحول الديمقراطى كالدساتير والتشريعات، وتلك التى تقيس الممارسات الفعلية للنظام السياسى. بذلك يتم تقييم العملية السياسية بأكملها من المشاركة إلى آليات اتخاذ القرار وأداء السلطة خاصة التنفيذية واحترامها للحقوق والحريات. يجمع التقرير بين التقييم الكمى والتحليل الكيفى. الجديد فيه هو عملية جمع مادة غنية من المعلومات ووضع آلية للتقييم بالأرقام، وهو جهد غير مألوف فى المنطقة العربية. تم اختيار هذه الآلية من منطلق أن العالم العربى يحتاج إلى متابعة أوضاعه من خلال معلومات موضوعية وموثّقة، وإذا كان الحصول على هذه المعلومات يتطلب جهدا خاصا، كما هو الحال فعلا، فلنفعل من هذا الجهد إحدى مهمات الباحثين من أجل أن نسد ثغرة نعانى منها على مستوى المنطقة ككل. فالصعوبة فى الحصول على المعلومة هى ميزة الأنظمة الاستبدادية، التى ترى أن أى حقيقة لها أبعاد حساسة ربما تشكل خطرا على أمنها.
أثار التقرير اهتمام جهات مختلفة من إعلاميين وباحثين ومؤسسات عربية وأجنبية، وطرح أسئلة أساسية تبدو بدائية ولكنها جوهرية على القائمين على هذا العمل، وهى تستحق أن نتوقف عندها. السؤال الأول والمتكرر هو: لماذا تقومون بهذا الجهد الكبير لقياس الإصلاح بينما تعلمون تماما أن ليس هناك أى نية لدى الأنظمة الحاكمة بالقيام بأى إصلاح حقيقى فما الجدوى من عمل كهذا؟ وهل فريق العمل هذا يؤمن بشعار أطلقته الأنظمة لترضى الدول الخارجية وتبيض سمعتها؟
هنا يكمن الرهان فالرسالة الأساسية من هذا التقرير هى أن المجتمعات العربية باختلافاتها ما زالت مستعدة لإمهال الأنظمة السياسية القائمة فرصة لكى تتخلّى بإرادتها عن التحكم بكل أوجه حياة المواطنين، وليس بالضرورة عن السلطة فى المرحلة الأولى، ولكن عن ممارستها بالأسلوب الذى انتهجته حتى الآن. فمنذ أن ظهر حراك سياسى فى عدة بلدان عربية عبّر عن المطلب نفسه: «أمهلناكم الوقت الكافى لتحسين أدائكم وهذه المهلة كادت أن تنتهى وينفذ صبر الشعب».
بلا شك أنها وصلت إلى الذروة فى مصر. ولكن فى أغلب البلدان العربية لم تعد الشعوب نائمة ولو كانت بعضها أقل غضبا بفضل خيرات نفطية تصل إلى فئات واسعة من المجتمع تحركت فى مرحلة أولى بشكل عشوائى، لكنها تتعلم بسرعة وتختبر النظام وتكتشف الطرق لإحراجه. لم تنتشر فى الشوارع بشكل هائل بعد فى خيار المواجهة المباشرة كما فعل الإيرانيون لأنها ما زالت تتمسك بأمل التغيير السلمى والتدريجى. «الآن نطلب منكم تنظيم عملية انتقال السلطة بشكل هادئ.. فهل تفعلوا؟ وإذا لن تستجيبوا فعليكم مواجهة أخطار بدأت ملامحها تتحدد. سيكون بحر الشعب من أمامكم وجبل المجهول من ورائكم ربما يأتى بحكم يدعى صفة إلهية أو بتفكك كيان الدولة. هذا ما حصل فى الجزائر قبل عشرين عام وهذا ما يجرى فى اليمن حاليا. فالعلاقة الجدلية بين الإصلاح والأمن تظهر فى هذا التقرير من خلال الأرقام وتثبت أن تعطيل العملية السياسية نحو الديمقراطية يسبب تراجع ملحوظ فى الأمن والاستقرار».
جاء سؤال آخر طرحته ببراءة صحفية من الخليج: أنتم تقيسون الديمقراطية فى السعودية والكويت وتضعون مجموعة من التوصيات لكى تتقدم هاتان الدولتان نحو الديمقراطية.. لكن لماذا تعتقدون أن السعودية ودول الخليج تحتاج إلى نظام ديمقراطى؟
سؤال يحتاج إلى ردّ مركّز مبنى على حجج صلبة وإلا لبدأ القائمون على هذا العمل يسعون إلى تطبيق نموذج غربى دون التفكير بمدى تناسبه مع طبيعة المجتمعات العربية. صحيح أن المواطن السعودى يعيش فى مستوى من الرفاهية يحسد عليه، وصحيح أن فئات واسعة من الشعب تعتبر أن ملكا مستنيرا يقود البلاد أفضل من انتخابات حرة تفتح الباب أمام فئات متطرّفة وكتل تكفيرية تحول البلاد إلى جحيم يؤدى بالمواطنين إلى التأسف على النظام السابق أى القائم حاليا. فإذا كان الثمن هو التضحية بقليل من الحرّية مقابل العيش فى أمان واستقرار فالأغلبية ستقبل بذلك. إلا أن المواطن فى دول الخليج كما فى أى دولة أخرى بحاجة أن يحدد علاقته بدولته ووظيفته فى المجتمع وفى صنع مستقبل بلده من جلال وضع الوسائل التى تنمى قدرته على مساءلة الحاكم عن طرق إنفاق الثروة النفطية. فما هو عدد المواطنين، الذين يعتبرون هذه الثروة ملك الشعب، وأن لهم الحق فى معرفة كيفية التصرّف فيها؟ ثم عندما تأتى أزمة تتقلص نتيجتها العائدات من هذه الثروة وموارد الدولة وإمكانية الحكومة لتغطية احتياجات الشعب فمن الذى يثير أمر كيفية إدارة الإنفاق العام ومن الذى يحاكم وما الجهة التى تقاضيه؟
لقد حصل ذلك فى الجزائر قبل عشرين عاما. فمنذ استقلال البلاد اعتاد النظام على السيطرة المجتمع والاقتصاد من خلال حكم الحزب الواحد والاستفراد بالثروة الهائلة من النفط والغاز وإقامة نظام اقتصادى سمح للنخبة الحاكمة بأن تحتكر شخصيات منها تجارة المواد الأساسية لمصلحتها الشخصية حتى تشكلت مافيا اقتصادية أمنية. بقى الشعب صامتا طالما كانت الثروة تسمح بتغطية الحاجات الأساسية مع الاستمرار بالفساد ولكن عندما حلّت الأزمة فى أول عقد الثمانينيات ووجد جيل كامل نفسه من دون فرص عمل أو مصدر دخل أو أى إمكانية لبناء مستقبله اكتسحت حالة غضب غير مسبوقة البلاد أدّت إلى إلغاء نتائج الانتخابات وتعطيل العملية السياسية ومواجهات عنيفة. تصرّفت كل القوى من الحكومة إلى المعارضة وكأنها غير معنية بسلامة الوطن وكأنه عبارة عن بقرة حلوب تتنازع عليها الأطراف. الطرف الأول، أى النخبة الحاكمة تسعى للحفاظ على مصالحها دون أى اعتبار آخر حتى إذا كان الثمن تدمير البلد والمجتمع، والطرف الآخر أى المعارضة مستعد للجوء إلى عنف غير متناهى لانتزاع قليلا من السلطة. فى ظل هذا الصراع لجأ المواطن الجزائرى العادى إما إلى الصمت أو إلى محاولة الهجرة. فهو أيضا لم يعطى الفرصة يوما بصفته كمواطن له وظيفة فى هذا المجتمع وفى بناء مستقبله إن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية بعد أن كان قد دفع ثمن الاستقلال بدمه فى محاربة الاستعمار. أليس هذا سببا كافيا لدفع كل المجتمعات العربية نحو المطالبة بالديمقراطية من خلال سلوك النهج التدريجى ينمّى حس الانتماء عند المواطن للوطن ولمشروع اجتماعى مستقبلى وليس فقط لدين أو مذهب، وإلا فمن الذى سيدافع عن المصلحة الوطنية بل عن الوطن كأرض عندما تهدده مخاطر خارجية؟
التقييم الذى يقدمه مؤشر الديمقراطية هذا يقوم على فكرة أن الإصلاح كعملية تدريجية أمر ممكن. يقول أن الإصلاح ممكن، دون أن يتنبّأ ما إذا كان مرجّح. فهو يوصى بأن الأمر يتعلق بإدراك النخب الحاكمة بأن المواطن وشعوره بدوره هو صمام الأمان الأفضل لبقاء الوطن والحفاظ على المجتمع بكل طاقاته.
صدر تقرير حالة الإصلاح فى العالم العربى الجديد مع مؤشر الديمقراطية العربى عن مبادرة الإصلاح العربى، النص الكامل على موقع www.arab-reform.net