إنه عقاب وليس انتقامًا


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 14 أبريل 2010 - 11:16 ص بتوقيت القاهرة

 بمجرد دخولى عربة المترو أفزع من صوت صراخ طفولى، أنظر تجاهه فأجد طفلا لم يتعد السنتين، وامرأة بدت أنها أمه تضربه بشدة على يديه عدة ضربات متتالية، أمنع نفسى من الزعيق، ولم أجد أى مكان آخر يمكننى الجلوس فيه سوى على الكرسى المواجه لها ولطفليها. بعد لحظات ضربت البنت الصغرى والتى لم تتعد الخمس سنوات بالقلم على وجهها بشكل أفزعنى، لم تفعل البنت شيئا سوى أنها أمسكت الكيس البلاستيك بشكل بدا لى مثاليا، لكن يبدو أنه لم يبدُ كذلك للأم التى ضربتها خوفا من أن يقع منها كما حدث فى المرة السابقة. ظللت أتأمل ملامح المرأة والتى بدت مضغوطة بشدة، تعاطفت معها قليلا ومع ذلك الضغط الذى تشعر به، وكنت أريد التحدث معها، لكن طريقة تعاملها مع طفليها وحالتها المزاجية جعلتانى أفكر أكثر فى العواقب، وجهت نظرى للطفلة بعد دقائق قليلة من ضربها العنيف، لم أجد أى أثر للبكاء، لم تبك من الأساس، فقط شعرت بفزع شديد بدا على ملامحها.

هذا المشهد دفعنى للتفكير فى أسباب العقاب البدنى للأبناء، والتى غالبا ما تحدث لأسباب لا تستحق، وتتورط الحالة المزاجية للشخص الذى يقوم بالعقاب فى ذلك.

أنا لست ضد العقاب بشكل عام، لكن فى الوقت نفسه ضد العقاب البدنى، وخاصة الذى يحدث بشكل فجائى وكتفريغ انفعالى لأحد الوالدين.

غالبا ما ينسى الوالدان الهدف من العقاب. والرسالة التى يجب أن تصل للطفل وهى أننى أحبك بشدة لكنى لا أوافق على هذا السلوك ولذا سأضطر إلى توقيع عقاب عليك، لكن الرسالة التى تصل للطفل بعد العقاب وخاصة البدنى هى أننى أنتقم منك بسبب ما فعلته، وغالبا ما يرى الطفل أن الأمر لا يستحق كل ذلك العقاب.

كثيرا ما يتحدث الأطفال معى فى العيادة قائلين: «صحيح أنا غلطان، بس هو كمان ضربنى جامد»، أو كما قال أحدهم: «لو عندى ابن هفهمه بالراحة هو عمل إيه، مش هتغابى عليه بالضرب كده»!

الضرب الفجائى يشعر الطفل بعدم الأمان، يهز عالمه بأكمله، وخاصة إذا كان العقاب لا يوازى ما فعله الطفل، كحالة الطفلة التى رأيتها فى المترو، أعتقد أن هذه الطفلة ستعانى شعورا قويا من عدم الثقة فى نفسها وفى أفعالها حتى بعد الكبر، فهى دوما ستنتظر العقاب على أشياء خاطئة ارتكبتها.

تلك الأشياء التى نفعلها فى أطفالنا فى الصغر تترك ندوبا كبيرا فى أذهانهم حتى بعد وصولهم للرشد.

كنت وفريق نعمل معا فى ندوة نتحدث عن أساليب التربية، وكنا نتحدث عن عدم جدوى العقاب البدنى، وجاءتنا كمية أسئلة حول ما الذى يمكن فعله إزاء طفل يستفزنى لضربه؟

بالطبع ما دام العقاب البدنى هو الوسيلة التى كنت أتبعها لسنوات مع طفلى، واعتاد على ذلك ولم يعد يفرق معه نوع العقاب، سأحتاج وقتا طويلا لتعديل سلوكه، وهذا ليس مستحيلا كما يبدو للبعض، لكنه يحتاج إلى مجهود فقط.

فإذا كان عمر طفلك مثلا سبع سنوات واعتدت خلالها على ضربه وقررت أن هذا الأسلوب غير مجدٍ، فيجب أن تتبع أسلوبا جديدا لفترة زمنية طويلة وبشكل مستقر لسنة على الأقل حتى يعتاد على الأسلوب الجديد ويتغير سلوكه.

وهذا يعنى أن القائم بالتربية سيدخل فى عملية تغيير هو الآخر ليعدل من سلوكه، وهو ما حدث بالفعل مع أم كانت تتلقى تدريبا فى المؤسسة التى أعمل بها، ودخلت فى عملية تغيير واستطاعت خلال عام أن تعدل من سلوك طفليها وتغير من أساليبها معهما.

هناك العديد من الوسائل المجدية مع الأطفال فى العقاب، مثل الحرمان من شىء يحبونه، وذلك على الرغم من أنهم يتظاهرون أحيانا بعكس ذلك، فأتذكر صديقة عندما حرمت ابنها من الذهاب إلى النادى لتدريب الكرة، صرخ فيها بأن ذلك لا يفرق معه وأنه غير مهتم بالذهاب، فصرخت هى وضربته بشدة، لكن فلنتخيل سيناريو آخر أنها هدأت من أعصابها ولم تصرخ فيه وتركته فى ثورته، وذهبت إلى حجرة أخرى، حتما سيهدأ ويحاول إرضاءها لكى يذهب، لكنها ستبلغه بشكل واثق أنه لن يذهب للتدريب وأنها تضايقت من أسلوبه لكنها مقدرة لغضبه وتظل متمسكة بالعقاب.

لكن أبناءنا يعلمون نقاط ضعفنا، ففى حالة صديقتى ابنها كان يثق أنه سيذهب للنادى وأن كرامته تحتم عليه أن يبدى لها عدم اهتمامه بالذهاب وهذا ما حدث بالضبط لأنها بعد ضربه ذهبت به للنادى.

نحتاج لضبط غضبنا حين نواجه أطفالنا وخاصة عند تلقيهم العقاب.. كلنا نعرف أننا لا نريد الانتقام منهم، فقط نريد أن يدركوا هم ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved