عن لحظات الفرز وأوهام تراجع لم يحدث (1)
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 أبريل 2015 - 9:55 ص
بتوقيت القاهرة
منذ 30 يونيو 2013، والحركة الديمقراطية فى مصر تمر بلحظات فرز متتالية وتواجه تحديات تستدعى المزج بين 1) التمسك بقيم سيادة القانون وتداول السلطة ومبادئ الحقوق والحريات، 2) التدبر فى الكثير من تفاصيل استعادة مسار تحول ديمقراطى فعلى وإدارته عبر الاشتباك المستمر مع منظومة الحكم / السلطة ومؤسسات وأجهزة الدولة والنخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها وبعض القوى المجتمعية الخائفة من التغيير، وكافة هذه الأطراف تدفع مصر اليوم باتجاهات سلطوية صريحة، 3) ممارسة مسئولة للنقد الذاتى بصدد إخفاقات وأخطاء الحركة الديمقراطية التى رتبت انصراف الكثير من الناس عن قيمها ومبادئها وبشأن سبل تجاوز وضعية الوهن الراهنة.
فـ30 يونيو 2013، الذى حمل مطلبا ديمقراطيا واضحا تمثل فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كنت من أوائل الداعين لها أملا فى تغيير رئاسة منتخبة عصفت بسيادة القانون (إعلان نوفمبر 2012 الاستبدادى) وهددت تماسك المجتمع والدولة بزجها بمصر إلى آتون كارثة اللامحكومية، أعقبه مباشرة 3 يوليو 2013 الذى مثل خروجا على مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة الديمقراطى وتدخلا للجيش فى شئون الحكم / السلطة واستتباعا للقوى السياسية والحزبية المشاركة فى 30 يونيو من قبل المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. حينها، وفى لحظة الفرز الأولى هذه، لم يكن أمام الحركة الديمقراطية غير رفض 3 يوليو لكونه انقلابا على القيم والمبادئ التى تدافع عنها ورفض الترتيبات التى تلته، تماما كما لم يكن ممكنا للحركة الديمقراطية التنصل من 30 يونيو ــ التى لم تكن هى لا المؤامرة ولا الانقلاب، بل جسدت موجة ثورية حقيقية وجاءت أشبه باستفتاء «للميادين» على الانتخابات الرئاسية المبكرة نتيجته كانت الموافقة الكاسحة.
ثم أعقب 3 يوليو 2013 تكالب دوائر عبثية ولعينة على مصر، دوائر انتهاكات الحقوق والحريات والعصف بسيادة القانون فى فض الاعتصامات والمسيرات والتظاهرات التى تورطت بها بعض مؤسسات وأجهزة الدولة ودوائر تورط الإخوان وبعض حلفائهم فى اليمين الدينى فى جنون العنف وحمل السلاح ضد المواطن والمجتمع والدولة. حينها، وفى لحظة الفرز الثانية هذه، لم يكن أمام الحركة الديمقراطية غير إدانة الانتهاكات والدفاع عن حقوق وحريات المختلفين معها قبل الحاملين لقيمها ومبادئها، غير إدانة طغيان المكون العسكرى ــ الأمنى على شئون الحكم / السلطة والشأن العام، غير إدانة العنف ورفض جميع مبرراته الفاسدة وإقرار فقدان جميع الأطراف المتورطة فى ممارسته ضد المواطن والمجتمع والدولة ﻷهلية المشاركة فى العمل العام وفقدانها لشرعية المشاركة فى النقاش العام من مواقع وخانات العنف وجر الخطوط المستقيمة الفاصلة بين التذرع الفاسد لدعاة العنف بقيم ومبادئ الديمقراطية وبين تبنيها الصادق أخلاقيا وإنسانيا ووطنيا.
ثم جاءت محطات تمرير قوانين وتعديلات قانونية قمعية كقانون التظاهر وإلغاء الحد الزمنى الأقصى للحبس الاحتياطى وغيرهما. وشرعت مؤسسات وأجهزة الدولة فى تفعيلها لإنزال العقاب ببعض من يعارضونها من مواقع وخانات ديمقراطية ــ من المعلومين للرأى العام كأحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة وعلاء عبدالفتاح ومن الكثيرين غير المعلومة أسماؤهم، ولفرض حالة من التهديد المستمر بالقمع ومن الخوف على المجال العام، ولتهجير المواطن من المجال العام واستدعائه فقط كعضو ممتثل فى الجموع الخاضعة لمنظومة الحكم / السلطة حين تحتاجه هذه لتظاهرات التأييد الشعبى. وتواكب ذلك مع إعادة التأسيس لسيطرة الحكم / السلطة على المساحات الإعلامية، وتعميم الصوت الواحد والرأى الواحد وتخوين وتشويه المغردين خارج السرب، والضغط السلطوى المستمر على المنظمات غير الحكومية وفاعلى المجتمع المدنى من مؤسسات حقوقية وقانونية لإخضاعهم للإرادة الرسمية. هنا، وفى لحظة الفرز الثالثة هذه، لم يكن أيضا أمام الحركة الديمقراطية فى مصر غير مقاومة السلطوية الجديدة وملامحها القاطعة التى كانت تتشكل يوميا، غير الاستعداد لتحمل كلفة المقاومة بزج بشباب وطلاب ودعاة حقوق وحريات إلى السجون وبتقييد حرية حركة وفعل آخرين وبتشويه فاسد للقيم والمبادئ الديمقراطية.
غير أن لحظات فرز أخرى تعاقبت خلال العامين الماضيين ــ من إقرار الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية وإرادة شعبية ارتبطت بالعمليتين لم يكن ممكنا للحركة الديمقراطية تجاهلها على الرغم من معارضتها المشروعة لبعض مواد الدستور ولصناعة عملية انتخابية رئاسية دفعت باتجاه المرشح ذى الخلفية العسكرية كمرشح الضرورة، من تصاعد وتائر الإجرام الإرهابى داخل مصر، من أوهام تكوين حركات معارضة من خارجها والاستقواء بالخارج ــ واستمرت فى إجبار الحركة الديمقراطية المصرية على مواجهة التحديات وممارسة النقد الذاتى وإعادة النظر والتقييم.
بالغد أتابع. بالغد.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.