ماكرون والعلمانية والكنيسة
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 14 أبريل 2018 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
فى خطوة مهمة التقى الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس جمهورية فرنسا بمجلس الأساقفة الكاثوليك الفرنسيين فى إحدى المراكز الثقافية التابعة للكنيسة وألقى الرئيس ماكرون فى هذا اللقاء خطابا فى غاية من الأهمية لم ينتبه له الكثير فى العالم العربى فالخطاب كان رفيع المستوى أدبيا وثقافيا وفكريا، حاول فيه الرئيس الفرنسى طمأنة الكنيسة الكاثوليكية خاصة بعد عقود من الشك والريبة منذ انفصال الدين عن الدولة فى بداية القرن العشرين، إذ هو ذاته يقول «إن العلاقة بين الكنيسة والدولة تشوهت ومن واجبنا أنا وأنتم أن نصلحه ولا يوجد أية آلية إلا حوار حقيقى وصريح»، هذا النوع من الخطاب جديد على مسامع المؤمنين فى دولة تعلى قيم الجمهورية التى اكتسبتها فى الثورة الفرنسية على أى قيمة أخرى ويذهب الرئيس ماكرون إلى ما هو أبعد من ذلك إذ يقول «إذا كانت الكنيسة تقدم ذاتها على أنها لا تهتم بالأمور الزمنية، فهى لا تذهب إلى أقصى دعواتها، وإذا رئيس جمهورية لا يهتم بالكنيسة فهو لا يؤدى واجبه ». كما عدد الرئيس الفرنسى الأشخاص الذين قدموا تضحيات كبيرة من أجل فرنسا (الدولة) ويقول فى هذا الصدد «إنى أعتبر أنه ليس من وظيفة العلمانية نفى الروحانيات باسم الزمنيات ولا انتزاع المقدس من مجتمعنا فهو يشبع مواطنيه، ولكن علينا أن نبنى الثقة من جديد بين الكنيسة والدولة، فما يهمنا هو «الإنسان» ومصيره ودعوته وهى ما تعمل الكنيسة من أجله وتعلمه». وطلب الرئيس الفرنسى الكنيسة أن تساهم مع الدولة قائلا: «الجمهورية تنتظر منكم الكثير وتنتظر منكم ثلاث هبات وهم تحديدا» هبة الحكمة وهبة الالتزام وهبة الحرية».
هذه الكلمات القوية التى ألقاها الرئيس يوضح أن هناك رؤية جديدة للعلمانيين تجاه الكنيسة ودورها فى المجتمع بعد عقود من سوء الفهم والشك والتشكيك فى تعليم الكنيسة والأفكار الروحية من ناحية والخلط بين العلمانية والإلحاد واللادين من ناحية أخرى.
فإذا كان هناك فى بلادنا من ينادى بأن العلمانية هى الحل أقول لهم إن العلمانية اليوم فى الدول المتقدمة تعتبر الإيمان والدين والروحانيات ضرورة لبناء مجتمع قائم على العدل واحترام حرية الإنسان وإعمال القانون، رغم أن فى كثير من المواضيع الأخلاقية تتضارب الأفكار (العائلة ــ المثليين ــ الموت الرحيم وغيرها من القضايا) وتدعو الدولة العلمانية اليوم إلى حوار مجتمعى خاصة مع المؤسسات الروحية وقد أكد الرئيس الفرنسى أن هذا لا ينسحب على المسيحيين فقط ولكن على جميع الأديان الموجودة على أرض فرنسا وحتى مع الإلحاد.
بالقطع مجتمعنا المصرى والشرقى ما زال أمامه أسئلة كثيرة للإجابة عنها ولكن حان الوقت لتعصيف هذه الأفكارعلى الأقل على المستوى الثقافى والفكرى والفلسفى لقيادة مجتمعنا الشرقى الذى يعاد صياغته فى هذا العصر ويخرجنا عن المألوف والكلاسيكى. فلا يستقيم مجتمع خاوى من الله ولا يستقيم مجتمع ثيوقراطى ولكن التوازن بينهما هو الحل.