الدائرة السوداء
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 14 أبريل 2018 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
قبل نحو عام وضع تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» مصر ضمن «الدائرة السوداء» فى التصنيف العالمى لحرية الصحافة لعام 2017، حيث احتلت مصر المرتبة 161 فى القائمة التى تضم 180 دولة على مستوى العالم.
ووصف تقرير المنظمة سجل مصر فى حرية الصحافة بأنه «كارثى»، حيث يتم الزج بصحفيين فى السجن «عقب اعتقالات جماعية»، وصل عددهم قبل صدور التقرير إلى 24 مع «إبقائهم لفترة طويلة خلف القضبان».
عقب صدور التقرير بـ4 شهور حجب موقع المنظمة فى مصر، ضمن «هوجة» حجب المواقع التى انطلقت فى مايو 2017، وقالت المنظمة فى تعليقها على القرار «تلك هى المرة الأولى التى يحجب فيها موقعنا فى مصر».
المنظمة طالبت السلطات بتوضيح سبب الحجب وتواصلت مع عدد من المسئولين فى الأجهزة المختلفة، لكن كغيرها من مئات المواقع المحجوبة لم تصل إلى سبب مقنع، غير بعض الوعود التى تتبخر مع مرور الوقت.
بعدها بشهور، تحديدا فى ديسمبر الماضى صدر التقرير السنوى للجنة حماية الصحفيين الدولية، وجاءت مصر فى الترتيب
الثالث بين الدول الأكثر حبسا للصحفيين بعد تركيا والصين، للعام الثانى على التوالى.
وقال تقرير اللجنة الذى لم يحظَ كتقرير «مراسلون بلا حدود» بالنشر فى معظم وسائل الإعلام المصرية، «إن الصحفيين المحبوسين فى مصر وعددهم 20 صحفيا يعيشون أوضاعا صحية سيئة».
وأشار التقرير إلى أن التهمة الأكثر شيوعا فى مصر، والتى وجهت للصحفيين السجناء هى «مناهضة الدولة»، لافتا إلى أن الحكومة المصرية أقرت «قانونا متشددا لمكافحة الإرهاب»، وتصاعدت على إثره حملة القمع ضد الصحافة من خلال جملة من الأمور من بينها تمكين السلطات من وضع الصحفيين على قوائم المشتبه بارتباطهم بالإرهاب حتى إذا صدرت أحكام تبرئهم من هذه الاتهامات».
تقارير المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة وحماية الصحفيين عن عام 2017، اعتبرت أن أوضاع الصحافة فى مصر باتت مهددة على شكل غير مسبوق، صدرت تلك التقارير قبل بلوغ موجة خنق حرية الرأى والتعبير والتضييق على استقلال الصحافة ذروتها.
فمنذ نهايات العام الماضى أضيف إلى إجمالى الصحفيين المحبوسين الذين ذكرهم تقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية نحو 10 صحفيين منهم الزملاء أحمد عبدالعزيز وحسام السويفى، ومعتز ودنان وأحمد طارق.
وأخيرا زميلنا عادل صبرى الذى تم احتجازه بدعوى عدم حصول موقعه المحجوب «مصر العربية» على التراخيص القانونية اللازمة، وفقا لبيان وزارة الداخلية الصادر يوم 3 إبريل الحالى، وتم عرضه على النيابة فى اليوم التالى فقررت حجزه 24 ساعة لحين ورورد تحريات الأمن الوطنى، فتحولت القضية من «تراخيص حى»، إلى «الانتماء إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة» ليحبس صبرى 15 يوما على ذمة القضية، ويعلن فى لحظة يأس عن استعداده لغلق موقع «مصر العربية» مادامت الدولة لا تحتمل وجوده.
الأسبوع الماضى تلقت نقابة الصحفيين إخطارا باستدعاء الزميل محمد السيد صالح رئيس تحرير «المصرى اليوم» السابق و8 من محررى الجريدة إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق فى مانشيت الجريدة «الدولة تحشد الناخبين»، وهو ما أصاب مجلس النقابة والجماعة الصحفية بالقلق، وسط مخاوف من تكرار ما حدث مع صبرى وسلفه.
تحدثت فى مقال الأسبوع الماضى «بشائر الولاية الثانية»، عن مسار الترويع الذى اختارت السلطة المضى فيه خلال السنوات الأربع المقبلة، وأذكر هذا الأسبوع أن اليأس الذى دفع رئيس تحرير «مصر العربية» لإعلانه الاستعداد لغلق الموقع، ودفع البعض الآخر إلى البعد عن الاشتباك مع الشأن السياسى، قد يؤدى إلى انفجار، إن لم يتلفت النظام إلى نصائح بعض مؤيديه من العقلاء.
كتم مساحات التعبير، وخنق مسارات التنفيس، ومحاولة تغييب الحقائق أو حجبها عن الناس، لن يصنع استقرارا، بل سيعمق الحفرة التى ستبتلع الجميع.