لو لم أكن مصرياً
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 14 مايو 2009 - 11:48 ص
بتوقيت القاهرة
أسألك سؤالا مهما؟.. عندك انتماء؟.. أسألك سؤالا أهم؟.. يعنى إيه أصلا «انتماء»؟.. أسئلة سألتها لنفسى أثناء رحلتى الميمونة لمصلحة الجوازات لاستخراج وثيقة سفر ــ وهى بالمناسبة الوثيقة الوحيدة اللى ممكن تصدر فى نفس اليوم يعنى لو عايز تستخرج بطاقة تمشى بيها جوه البلد مش هتاخد أقل من أسبوعين أما لو عايز جواز تغور بيه بره البلد فهو يوم واحد مافيش غيره وابقى خد الباب وراك.
وهو ما قد يدل ــ على مستوى اللا وعى يعنى ــ على الشعور المتبادل بين البلد ومواطنيها، بينما أنا أعيش تجربة استخراج الجواز بكل جوارحى بسبب التلاحم الجماهيرى لقوى الشعب العامل فى الطابور اللى طوله 3 كيلو مترات، وعلى إثر اليوم الطويل والوقفة الرومانسية لمدة 3 ساعات ونصف الساعة بدأت أواصر الصداقة تتوطد بين الواقفين ــ ما إحنا بقينا عشرة بقى ــ فبدأ المتلاحمون فى تبادل التعبير عن آمالهم وأحلامهم لهذا الوطن العظيم «إله تولع باللى فيها».. «هات عاليها واطيها يارب»..
بينما تحدث البعض عن حلمه بالباسبور الأمريكانى أو الجنسية الإنجليزية أو الزواج من واحدة من عرب 48 ليحمل جنسيتها الإسرائيلية اللى هتخليه يحط صابعه فى عين التخين.. لخص أحد الواقفين شعور الجميع بحكمته التلقائية العميقة «لو لم أكن مصريا..كان يبقى قشطة قوى»..
ممكن تكون دلوقتى بتحرك رأسك أسفا عشان مش مصدق إن المصريين الأصلاء لسانهم ممكن يطاوعهم ويقولوا الكلام ده عن بلدهم اللى لا فيها أزمة بطالة من أيام فيلم «العزيمة»، ولا فيها أزمة شقق من أيام فيلم «العزيمة» ولا أزمة جواز من أيام فيلم «العزيمة» برضه (كان كئيبا قويا فيلم «العزيمة» ده على فكرة) والعيش كتير والمياه نضيفة والرواتب عالياااه وكل واحد دلوقتى بقاله كادر حتى عم مصطفى العجلاتى.. يبقى الناس المفترية دى هتقول الكلام ده ليه صحيح؟..
بس بصراحة مش ده اللى أنا مستغرباه أنا اللى مستغرباه فعلا إن مش ده دايما حال المصريين، يعنى يكفى نعود بالذاكرة لأيام انتصاراتنا المجيدة.. مثلا يوم ما المصريين «عبروا» للمباراة النهائية فى حرب كأس الأمم الأفريقية سنة 2006 مثلا عشان نعرف الشعور بالانتماء فى البلد كان أد إيه.. العلم المصرى بألوانه اللى 90% مننا مش عارف بتعبر عن إيه كان هو الزى الرسمى لكتير وكتير من الشباب.. والبكاء وقت السلام الوطنى اللى 99% مننا مش عارف كلماته الكاملة ولا معانيها كان هو الموضة وقتها.. أو شوف اللى جرى فى البلد يوم الحلقة الأخيرة من «ستار أكاديمى» اللى كان الفايز فيها «مصرى».. شوف الروح الوطنية اللى اشتعلت فى البلد كسبت شركات المحمول أيامها أد إيه؟..
وقس على ذلك الكثير والكثير من المناسبات الوطنية الجليلة اللى ممكن تبان تافهة وسخيفة، لكن لازم نتفق إنها تسببت فى ارتفاع مؤشر الروح الوطنية والانتماء فى البلد.. فى رأيى المتواضع الكلام ده حصل لأن الأيام المجيدة دى كان بيبقى لينا فيها هدف واضح.. يعنى كان ممكن تسأل أى حد وقتها.. إحنا هدفنا إيه يا كابتن؟.. يرد عليك بمنتهى البساطة «إننا نغلب الكاميرون».. لما بيبقى فيه هدف ــ أيا كان ــ بننسى مشكلاتنا وبنتجمع وكل واحد فينا بيحس إن له قيمة ومابيكرهش نفسه ويبقى عايز يولع فيها وفى البلد.. لكن تعال اسأل أى حد دلوقت إحنا هدفنا إيه؟.. أكيد هيقولك ماعرفش.. وهتلاقيه بيكره نفسه وعايز يولع فيها وفى البلد..
زمان كان فيه حلم قومى.. كلمة قومى دى لوحدها كانت حلم..كان فيه خطط خمسية.. ما فيش حاجة منها اتنفذت صحيح لكن أهى كانت خططا وكنا بنصدق.. كان فيه «عايزنها تبقى خضار» و«توشكى» وغيرها.. لكن كله نزل على مافيش ولسه مش عارفين إحنا عايزين إيه؟..
فيه دول هدفها إنها تحمى نفسها من العالم عن طريق إنتاج القنبلة النووية، وفيه دول هدفها إنها تسيطر على العالم عن طريق صناعة فوانيس رمضان.. وفيه دول هدفها إنها تمتد من النيل للفرات.. على الأقل هم عارفين هم عايزين إيه.. لكن إحنا بقالنا سنين وسنين ماحدش بيقولنا.. هو إحنا عايزين إيه؟.. يعنى إحنا بجد بقينا مش محتاجين نتجمع على حاجة؟.. وإلا فيه حد عارف إحنا هدفنا إيه، لكن مش عايز يقولنا عشان الموضوع سر مثلا؟..
مش معقول كل حياتنا هتنحصر فى إننا عايزين ناكل ونشرب ونجيب عيال، وكل واحد يشوف مصلحته بطوله ومالوش دعوة بالتانيين.. محتاجين نتجمع على حلم حتى لو كان بعيد.. حتى لو كان مستحيلا.. ما ينفعش نتساب كده بدون هدف نسعى له ونخطط طريق عشان نوصل له..الوطن مش كلمة ومش علم.. الوطن فكرة اللى عايشين فيها لازم يبقوا جزءا منها ومؤمنين بأن ليهم يدا فى تحديد مصيرها ومصيرهم.. عشان مايجيش يوم حد يسألنا فيه.. إيه هو مستقبل مصر؟.. فيرد بعضنا يعنى إيه مستقبل؟.. ويرد البعض الآخر.. يعنى إيه مصر؟