نبيل العربى.. وإنجازات المائة يوم..
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
السبت 14 مايو 2011 - 8:41 ص
بتوقيت القاهرة
سفينة الثورة التى قامت فى مصر بلا قيادة.. تسلم مقاليدها ربان لم يحضر لها ولم ينفذها، وكل الشواهد تدل على أنه يريد أن يتخلص من عبء قيادتها بأسرع وقت.. وقد أوكل إدارة شئون البلاد اليومية إلى حكومة «تصريف أعمال»....
فى مثل هذه الأوضاع فإن المنطق وطبيعة الأشياء يستبعدان حدوث تغيير فى السياسة الخارجية، فهذا آخر باب يرغب النظام الناشئ الذى لم تستقر ملامحه بعد فى المغامرة باقتحامه.. لذلك كانت الدهشة شديدة والغبطة غامرة لدى محبى مصر والصدمة مفزعة لدى الآخرين... عندما وجدوا السياسة الخارجية لمصر الجديدة تعود للانسجام مع الحس القومى العربى والشعور الوطنى المصرى.. لقد كان نبيل العربى بليغا عندما أوجز الوضع القائم على حدودنا مع غزة ومشاركتنا فى حصار الشعب الفلسطينى بأنه «أمر مشين».. نعم يا دكتور نبيل كان الحصار مشينا كما كان التوريث مشينا كما كانت المشاركة فى تعطيل صدور قرار مجلس الأمن بوقف العدوان على جنوب لبنان لمدة 28 يوما «مشينا».. صفحات كثيرة «مشينة» سود بها النظام السابق حقبة من أحقاب تاريخ الدبلوماسية المصرية العريقة وتم محوها فى أيام قلائل من خلال خطوات واثقة.. الواحدة تلو الأخرى..
•••
إنجاز المصالحة الفلسطينية والإصرار عليها رغم الضغوط الإسرائيلية الأمريكية.. فتح معبر رفح بشكل دائم.. تأييد إعلان الدولة الفلسطينية فى سبتمبر القادم.. البدء فى إصلاح العلاقات مع إيران وعدم اعتبارها دولة معادية.. البدء فى ترميم العلاقات الأفريقية خاصة مع دول حوض النيل التى كاد بناؤها ينهار من الإهمال الطويل.. الدعوة لعقد مؤتمر دولى بإشراف الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية على أن يكون الهدف هو السلام وليس عملية السلام.. حيث انتهى الأمر فى السنوات الأخيرة إلى أن أصبح الهدف هو الحفاظ على استمرار عملية السلام.. ذرا للرماد وإلهاء للعقول واستنفادا للوقت..
والأمر الذى يثير الدهشة والإعجاب أن يتم تصحيح المسار بهذه السرعة وفى خلال فترة «تسيير الأعمال».. ففى ثورة 1952 مثلا أو وبالأحرى انقلاب الضباط الأحرار الذى تحول إلى ثورة فيما بعد لم تتضح ملامح السياسة الخارجية الجديدة إلا بعد أن انفرد جمال عبدالناصر بالحكم وسافر إلى باندونج والتقى بتيتو ونهرو، وشواين لاى ثم عاد ففلسف سياسة الثورة فى كتابه الشهير الذى صاغه السيد/ حسنين هيكل..
لا تصدق من يقول لك إن السياسة الخارجية الناجحة لأى دولة يرسمها الدبلوماسيون البارعون والمفكرون.. هؤلاء يصوغونها ويضعون أساليب تنفيذها.. ولكن السياسة الخارجية الناجحة هى التى يرسمها الشارع أو لنقل التى تنسجم مع الشعور الوطنى العام.. الفترات التى كانت سياسة مصر الخارجية فيها فاشلة هى تلك الفترات التى فُرض على الشعب المصرى فيها علاقات لا يؤمن بها ولا يريدها كالتطبيع مع إسرائيل أو قطع علاقات مع دول أخرى لا يراها الشعب المصرى عدوا مثل إيران أو ترك ساحات مهمة لنا كالسودان إلى دول أخرى مثل ليبيا وقطر ودول الإيجاد.
•••
ولعل من الأمور الجديرة بالملاحظة هو ردود الأفعال المتخبطة لدى إسرائيل تجاه المصالحة الفلسطينية، فقد كان رد الفعل المبدئى عنجهيا ويتسم بالغطرسة حيث أعلن نتنياهو وقف تحويل الرسوم التى تحصلها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية ورفض التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية المزمع قيامها بعد اتفاق المصالحة، وظلت إسرائيل لعدة أيام تثير ضجيجا حول الموضوع ملمحة إلى أنها ستتعامل مع السلطة بنفس سياسة العزل والحصار والنبذ التى تتعامل بها مع حماس...
وكانت إسرائيل تنتظر أن تسمع أصداء مؤيدة لموقفها خاصة من الدول الغربية إلا أنها لم تسمع ما تريد بل سمعت من واشنطن نفسها ما يشبه الأمل فى أن تؤدى هذه الخطوة إلى اعتراف حماس بإسرائيل وانخراطها فى عملية السلام.. لذلك اضطرت إسرائيل أن تعلن على لسان شيمون بيريز هذه المرة أن «إسرائيل لازالت تعتبر محمود عباس شريكا فى عملية السلام».
لقد تبين لإسرائيل أنها ــ بعد أن فقدت الكنز الاستراتيجى ــ فإن موقفها هذا لن يؤدى إلا إلى تقوية حماس لأن عودة الحياة الطبيعية إلى غزة مع إغلاق أبواب السلام سيؤدى إلى «جرجرة» فتح إلى خط حماس وليس العكس.. وذلك فى الوقت الذى بدأت تظهر فى غزة جماعات أشد تطرفا من حماس.. لذلك فإنى أعتقد أن أصدقاء إسرائيل قد نصحوها بأن تتيح الفرصة لحكومة الوحدة الوطنية حتى تجعل حماس تقترب من نهج التسوية السلمية.
•••
فى 27 يناير 2009 ــ أى قبل اندلاع الثورة بعامين اثنين ــ أجرى السيد أحمد أبوالغيط وزير الخارجية السابق لقاء تليفزيونيا مطولا مع الإعلامى عمرو أديب شرح فيه منطلقات السياسة الخارجية المصرية وفسر فيه الموقف الذى تتخذه مصر من حماس وإغلاق معبر رفح بأن هذا الموقف تمليه اعتبارات الأمن القومى المصرى لأن التهديد الرئيسى لنا يأتى من إيران وذراعيها فى المنطقة وهما حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى غزة.. وقد علقت على هذا الكلام فى شكل رسالة مفتوحة إلى السيد أحمد أبوالغيط نشرتها جريدة الشروق فى 7 فبراير 2009 سألت فيها الوزير السابق عما إذا كانت المشاركة فى حصار أهالى غزة ستحقق الأمن القومى المصرى، ومن الذى يهدد الأمن القومى المصرى.. إيران أم إسرائيل؟
إسرائيل التى قامت باحتلال أراضينا مرتين خلال جيلنا الحالى وأقامت بها المستوطنات وكانت تخطط لجعل خط العريش ــ رأس محمد هو خط الحدود معها.. إسرائيل وليست إيران هى التى قتلت أطفالنا فى بحر البقر وقتلت أسرانا بدم بارد فى عملية شاكيد.. إسرائيل وليست إيران هى التى تعربد خارج نظام منع الانتشار النووى وتملك مئات من الرءوس النووية ووسائل إيصالها هى التى تهدد الأمن القومى المصرى وليست محاولات إيران لتنمية تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية..
•••
ولكن تلك كانت السنوات العجاف الطوال للدبلوماسية المصرية.. وقد تغير كل ذلك فى أقل من مائة يوم