السيد وزير المالية.. هل المخاوف صحيحة؟
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
السبت 14 مايو 2011 - 8:56 ص
بتوقيت القاهرة
يدرك المصرى البسيط أن الموقف الاقتصادى صعب جدا، فلابيع ولاشراء، ولا إنتاج ولا سياحة، وأعداد العاطلين تتزايد، والتضخم يتضخم.. وكان الدكتور سمير رضوان وزير المالية، بدأ مؤخرا يحيط الشعب بالموقف الاقتصادى وتأثير ذلك على معدلات النمو وعجز الموازنة وكل المؤشرات الاقتصادية. ويبدو أن هذه الأمور لا تعنى الكثير لمعظم أبناء الشعب الذى لا يعلم معظمه ما وراء هذه الأرقام والمؤشرات، فهناك من يتساءل: هل هناك فارق بين معدل نمو 2% بدلا من 5%؟ وماذا يهم لو أصبح عجز الموازنة 10% بدلا من 8%؟ «ما هى كلها 2%»؟
وقد شعرت بعد لقاء مع مجموعة من الأصدقاء لديهم خبرة فى الأمور الاقتصادية، أن عندهم رسائل خطيرة لايجب أن تطلق على قذائف من حرير. لأن الوضع فى البلد خطر من الناحية الاقتصادية وذلك على قدر فهمى من الحوار الذى دار بينى وبين هؤلاء الأصدقاء الخبراء، وأخذت أسجل نقاطه بدقة قدر المستطاع، وناقلا بوازع من ضميرى الوطنى وواجبى المهنى، وقد أطلقوا رسائل أختصرها فيما يلى:
•• أولا: معدل البطالة قبل الثورة كان 9% (وهو معدل خطير فى حد ذاته) ومن المعروف أن الاقتصاد المصرى يقوم على التنوع فى قطاعاته، وهى من أهم مميزات هذا الاقتصاد، وأهم هذه القطاعات الزراعة، الصناعة، التعدين، السياحة، التجارة الداخلية، تحويلات المصريين، الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة. وغير ذلك.. وفى ظل الأوضاع الحالية تأثرت كل هذه القطاعات سلبيا ولكن بدرجات متفاوتة تتراوح بين توقف كامل (السياحة مثلا) وركود (التجارة الداخلية والتصدير والصناعة).
•• تنقسم قطاعات الاقتصاد إلى ما يمكن تصنيفه بكثيف العمالة وأهمها (الصناعة، التشييد، السياحة والتجارة الداخلية) وما هو قليل العمالة مثل (قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج).
•• فى ظل الاضطراب الأمنى وتزايد المطالب الفئوية، كانت القطاعات كثيفة العمالة هى الأكثر معاناة. فالسياحة شبه متوقفة، والعقارات والتشييد كذلك والصناعة تقاوم حتى الآن بإنتاجية لا تزيد على 40% من حجمها.. وكل قطاع من القطاعات كثيفة العمالة يرتبط به العديد من الصناعات والخدمات التى يطولها الركود وربما الانهيار نتيجة ركود القطاع الرئيسى، فمثلا السياحة يرتبط بها نحو 30 صناعة وكذلك العقارات والتشييد التى يرتبط بهما نحو 90 صناعة.
•• تتوقف قدرة كل منشأة على تحمل تلك الأوضاع على حجمها وقدراتها المالية، فنرى المنشأة الصغيرة هى الأسرع انهيارا، ولكن بالتأكيد فى غضون الأشهر المقبلة قد تغلق العديد من المنشآت والمصانع والفنادق والمتاجر أبوابها.
•• إن نسبة البطالة قبل الثورة (9%) وقد تصل إلى 20% أو ربما 30% فى غضون من ثلاثة إلى ستة أشهر.. وللأسف فإن هذه الصورة القاتمة ما هى إلا جزء من الكارثة الحقيقية، فالواقع إن نسبة البطالة (9%) كانت تمثل خطرا حقيقيا على الأسرة المصرية، ومع ذلك فى نهاية الأمر، كانت الأسرة تتكاتف، فيتحمل من يعمل من أبنائها عبء من لا يعمل، ولنا أن نتصور مع هذا الانهيار الاقتصادى وضع أسرة لديها مثلا 5 أبناء يعمل منهم 3 أبناء ويعانى البطالة ابنان فقط يتولى شئونهما هؤلاء الذين حظوا بفرصة عمل، هذه الأسرة سيتحول أبناؤها جميعا إلى عاطلين وينعدم دخل الأسرة تماما، فأين المفر لهذه الأسرة وملايين مثلها؟
•• ثانيا: التضخم وهو بمعناه البسيط معدل الزيادة السنوية فى أسعار السلع والخدمات. ويمكن تلخيص أهم عوامل زيادة التضخم فيما يلى:
ـ نقص المعروض من السلع والخدمات عن الطلب عليها (نظرية العرض والطلب) وارتفاع أسعار السلع عالميا. وانخفاض سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية (خاصة إذا كانت الدولة تزيد وارداتها عن صادراتها).. وزيادة فى السيولة النقدية لا يقابلها إنتاج حقيقى.. وفى ظل أوضاعنا الحالية، سوف نرى التضخم فى أعلى معدلاته مكشرا عن أنيابه، فكل مقوماته موجودة بقوة ويوما بعد يوم تخرج عن السيطرة، فالواقع المؤلم يشير إلى مايلى:
1ــ قد تغلق العديد من المصانع والمنشآت التى توفر السلع للسوق المحلية أبوابها، وبالتالى يقل المعروض من تلك السلع.
2 ــ صعوبة تمويل الواردات نتيجة انخفاض التمويل المتاح من البنوك المحلية وكذلك إحجام البنوك الأجنبية عن ضمان الاعتمادات المستندية المفتوحة فى مصر.
3 ــ تشهد الأسواق العالمية ارتفاعا كبيرا فى أسعار السلع الأساسية (القمح والحبوب، البترول والمعادن) سوف تنعكس حتما على أسعارها فى مصر.
4 ــ انخفاض سعر الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية سوف يضاعف من سعر تكلفة السلع والخامات المستوردة، وبالطبع فإن هذا الانخفاض فى سعر الجنيه أمر قادم لا محالة فى ظل انهيار الحصيلة من العملات الأجنبية (السياحة وتحويلات المصريين والتصدير).
وهذا يعنى أننا سوف نشهد فى خلال الأشهر المقبلة موجة غلاء عاتية لا تقدر عليها الأسرة المصرية، وحتى لو حققت الحكومة أحلام كل المطالب الفئوية، فإن التضخم سوف يبتلع أى مكاسب يتصورها أصحاب هذه المطالب..
•• السيد د. سمير رضوان.. هل تلك المخاوف حقيقية؟ هل ما يخشاه أصدقاء خبراء من تحالف البطالة والتضخم على عاتق الأسرة المصرية هو فعلا خطر مدمر كما يقولون؟ هل هم محقون فى خوفهم بأننا لا نملك رفاهية مراقبة هذا الخطر قادما ويكاد يلامس أنوفنا، دون اتخاذ إجراءات وخطوات حاسمة؟
يا ترى.. هل تتعامل الحكومة مع هذا الموقف من منطلق الأمن القومى الذى يعلو أو يسمو على أى مطالب فئوية؟
يبقى أن هؤلاء الأصدقاء الخبراء أكدوا لى أن تلك الصورة المخيفة، لها صورة مخالفة تشير إلى أن مصر تملك قوة اقتصادية بإمكاناتها لو أحسنا إدارتها، فهل ذلك صحيح؟.. وهل يمكن أن نعيش جميعا حلما جميلا لنحوله إلى واقع نستحقه ويستحقه أبناؤنا وأحفادنا؟.