ما بعد التغيير الوزارى.. ملامح المرحلة المقبلة
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
دعونا نترك قليلا اسماء الوزراء الجدد وسيرهم الذاتية، فالحديث الإعلامى عنهم جرى «شخصنته» اكثر مما ينبغى بينما الأهم هو محاولة فهم ما يحمله التغيير الوزارى الاخير من معان وما ينطوى عليه من دلالات عن مستقبل البلد فى المرحلة المقبلة:
الدلالة الاولى انه مع تعيين عدد من القيادات الإخوانية فى الوزارة صرنا بالقطع امام حكومة تنتمى إلى الحزب الحاكم والى جماعة الاخوان المسلمين، ولم يعد من الممكن الاستمرار فى مسرحية وصفها بانها حكومة «تكنوقراطية محايدة» كما كان الحال منذ تولى د. هشام قنديل لرئاسة الوزراء فى يوليو الماضى. وهذه خطوة جيدة لأننا بحاجة لحكومة واضحة الهوية الفكرية والسياسية لكى تكون محل مساءلة من الناس، ولكى يكون رئيس الجمهورية الذى اختارها مسئولا معها، ولكى يتوقف حزب الحرية والعدالة عن التصرف كما لو كان حزبا معارضا، ينتقد الحكومة وينأى بنفسه عنها كلما اتبعت سياسة مرفوضة شعبيا أو سببت له احراجا (زيادة الضرائب، زيادة الأسعار، اعتقال النشطاء، وذلك على سبيل المثال لا الحصر) مع انه لا يتردد عن تلقى التهنئة على إنجازات الحكومة بدءا من زيادة محصول القمح وحتى فوز الفريق القومى فى مباراة دولية.
الدلالة الثانية هى الاهتمام بوضع وزراء محل ثقة على رأس الوزارات الاقتصادية (المالية، التخطيط، التعاون الدولى، والاستثمار) بدلا من وزراء سابقين لم يكن ولاؤهم على ما يبدو كاملا ومطلقا، وذلك بغض النظر عن كفاءة الوزراء الجدد وكفاية خبراتهم. وفى اعتقادى ان هذه إشارة إلى ان النظام الحاكم قد قرر حسم الملفات الاقتصادية المتعثرة منذ فترة وعلى رأسها قرض صندوق النقد الدولى، وزيادة الضرائب اللازمة لتطبيق البرنامج الاقتصادى المصاحب له، واصدار الصكوك لتمويل عجز الموازنة، وتطبيق محور قناة السويس، وكلها مشاريع خلافية يلزم ان يتولى الاشراف عليها وزراء يتمتعون بالدعم والمساندة الكاملة من داخل المؤسسة الإخوانية الحاكمة. ولكن للاسف انها ايضا مشاريع تعبر عن اتجاه لتأجيل الانهيار الاقتصادى دون حل مشاكله المزمنة والاعتماد على المسكنات دون تحقيق أى اختراق حقيقى فى التعامل مع اسباب الأزمة. لذلك فلا توجد رؤية واضحة لا لزيادة الاستثمار، ولا لتشجيع السياحة، ولا لتدوير المصانع المتوقفة، ولا لتشغيل الشباب المتعطل، ولا لتوجيه الدعم لمستحقيه، ولا لإعادة توزيع الإنفاق العام بما يحقق العدالة الاجتماعية المنشودة. كل ما هو مطروح هو مجرد اقتراض من الداخل ومن الخارج ثم مزيد من الاقتراض، مع العلم ان الاقتراض فى حد ذاته ليس جريمة بل قد يكون ضروريا ومطلوبا ولكن متى تواكب مع سياسات اخرى لإصلاح المسار الاقتصادى ولتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة التى تمكن من سد هذه القروض مستقبلا.
اما الدلالة الثالثة للتعديل الوزارى فهى ما يعبر عنه التشكيل الجديد من استعداد واضح لخوض المعركة الانتخابية البرلمانية قريبا ــ برغم الصمت الإعلامى من جانب الحزب الحاكم حول هذا الموضوع وتجاهله التام ــ وذلك من خلال الدفع بوزراء جدد لتولى ملفات العدل والمجالس النيابية والزراعة والبترول، وكلها ملفات مؤثرة فى اية انتخابات مقبلة، خاصة اذا ما اضيف اليها ما يتمتع به الحزب الحاكم من سيطرة بالفعل على وزارات الداخلية والتموين والشباب والحكم المحلى. نحن إذن امام استعدادات تجرى على قدم وساق لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة فى صمت وسكون والتى سوف يتم تحديد موعدها فجأة وبدون مقدمات، وبينما المعارضة لا تزال مشغولة بالمطالبة بتعديل الدستور وبمناقشة مزايا وعيوب المقاطعة.
اما الدلالة الرابعة والاخيرة للتعديل الوزارى الذى جرى فى الاسبوع الماضى فهى ان جماعة الاخوان المسلمين قد قررت ان تفض يدها من محاولة الظهور بمظهر الطرف الباحث عن التوافق فى المجتمع وان تواجه حالة الاحتجاج السائدة فى كافة أنحاء البلاد بمزيد من السيطرة والانعزال، وبتجاهل تام لطلبات واقتراحات المعارضة حتى المعقول منها، وبمزيد من الارتكان والاعتماد على اهل الثقة والمقربين من قيادة الاخوان التنظيمية، والإبقاء على الوجوه المكروهة منهم فى الحكم. وهذا كله يشير إلى انتصار التيار المتشدد داخل الحزب الحاكم والمقتنع بضرورة حسم الصراع السياسى أولا والانتهاء باسرع وقت ممكن من معركة السيطرة على الدولة وتجاهل حالة الغضب الشعبى ثم النظر بعد ذلك إلى التوافق والتفاهم وباقى هذه الاشياء اللطيفة. لذلك فلا أتصور اننا مقبلون على انفراج سياسى قريبا بل الاستمرار فى معركة تكسير العظام حتى نهايتها.
وما نتيجة كل ما تقدم؟
فى تقديرى ان وضع الاعتبارات السابقة فى معادلة واحدة يؤدى إلى نتيجة واضحة ومنطقية: ان الحكم الإخوانى قد اتخذ قرارا باستكمال مسار السيطرة على مؤسسات الدولة، وحسم الملفات الاقتصادية قصيرة الأجل ومحدودة الأثر دون التطرق للمشاكل الكبرى، والدعوة للانتخابات البرلمانية فى اقرب فرصة ممكنة بينما المعارضة غير مستعدة لها، والتخلى عن أية محاولة للتوصل إلى تفاهم مع القوى السياسية المعارضة لحين انتهاء الانتخابات وحسم ما تبقى من معركة الصراع على السلطة.
الانشغال بالوزراء الجدد وبتاريخ كل منهم وبسيرته الذاتية ــ الحافلة أو الخاوية ــ امر طبيعى وظاهرة إعلامية لا مفر منها. ولكن التفكير فى طبيعة المرحلة المقبلة والاستعداد لها اهم بكثير.