عامان فى الحكم: تحليل لخُطب السيد الرئيس
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 14 مايو 2016 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
بعد أسابيع قليلة، يكون قد مر عامان على تولى السيسى رئاسة جمهورية مصر العربية، أقوم فى سلسلة مقالات بعضها متصل والآخر منفصل، بحسب مقتضيات وظروف عملية النشر، بتحليل علمى لأداء رئيس الجمهورية، سواء من خلال تناول أفكاره ورسائله الشفهية للداخل والخارج، أو من خلال سياساته وتحالفاته ومكاسبه وخسائره خلال هذه الفترة والتى تمثل نصف المدة الأولى لحكمه.
كيف تحدَّث الرئيس فى عامين؟
خلال الفترة من ٣ يونيو ٢٠١٤ حيث ألقى الرئيس أول كلمة للشعب بمناسبة انتخابه وحتى خطابه فى الفرافرة بمناسبة موسم حصاد القمح فى الخامس من مايو الجارى يكون الرئيس قد ألقى ١٤٩ كلمة للداخل والخارج ما بين خطب للأمة بمناسبة إحياء بعض المناسبات القومية أو الدينية، أو خطب عامة كحديثه للشباب أو لطلاب الجامعات، أو خطب فى مناسبات خاصة كإعطاء كلمات ردا على بعض الأحداث الإرهابية أو على هامش افتتاح مشروعات قومية أو بمناسبة لقاء قادة عرب وأفارقة ودوليين أو أمام منتديات دولية وإقليمية. يشمل هذا العدد أيضا والذى قمت بإحصائه من أرشيف الموقع الإلكترونى للهيئة العامة للاستعلامات ومن أرشيف الموقع الإلكترونى لجريدة المصرى اليوم، على خطب أو كلمات أعطاها الرئيس بنفسه أو ألقاها نيابة عنه مسئولون رسميون فى الدولة كرئيس الوزراء أو وزيرى الخارجية والتموين، أو بعض المقالات التى نشرها الرئيس تحت اسمه فى بعض الجرائد الناطقة بالإنجليزية، كما يشتمل هذا العدد أيضا على الخطاب الشهرى الذى كان قد بدأه الرئيس فى ٢٠١٥ ولم يستمر فيه دون توضيح لأسباب توقفه!
باختصار أتعامل مع مفهوم «الخطاب الرئاسى» هنا باعتباره كل ما صدر عن مؤسسة الرئاسة من خطب وتصريحات ومقالات نسبت للرئيس أو قالها من ناب عنه أو قالها بنفسه. فهى بمثابة رسائل من المؤسسة الرئاسية إلى الشعب أو إلى الخارج وأبنى تحليلى بناءً على ذلك. ماذا تقول نتائج هذا التحليل؟
***
أولا: وفقا لهذا المفهوم الأخير لمعنى «الخطاب الرئاسى» فإن الرئيس قد أعطى ١٤٩ خطابا فى عامين تقريبا بمعدل خطاب كل خمسة أيام تقريبا. العام الأول من حكمه أعطى ٨٢ خطابا بمعدل خطاب واحد لكل أربعة أيام ونصف بشكل تقريبى، فيما انخفض هذا العدد فى العام الثانى من حكمه ليصبح ٦٧ خطابا بمعدل متوسط بلغ خطابا واحدا لكل خمسة أيام ونصف تقريبا، أى أن العام الثانى شهد انخفاضا نسبيا فى عدد الخطب الرئاسية مقارنة بالعام الأول (علما بأن العام الثانى يتبقى عليه أيام ومن الوارد أن يزيد الرئيس من خطبه).
ثانيا: من إجمالى ١٤٩ خطابا خلال عامين فقد وجه الرئيس ٦٠ خطابا للداخل بنسبة بلغت ٤٠.٣٪ بينما وجه ٨٩ خطابا للخارج بنسبة بلغت ٥٩.٧٪ وبتوزيع ذلك على العامين، فإن العام الأول ومن إجمالى ٨٢ خطابا فقد توزعت خطب الرئيس بين ٣٥ خطابا للداخل بنسبة بلغت ٤٢.٧٪ بينما بلغت خطاباته إلى الخارج ٤٧ خطابا بنسبة ٥٧.٣٪، أما فى العام الثانى فمن إجمالى ٦٧ خطابا، فقد بلغت الخطب الداخلية ٢٥ خطابا فقط بنسبة بلغت ٣٧.٣٪، بينما بلغ عدد الخطب الموجهة للخارج ٤٢ خطابا بنسبة بلغت ٦٢.٧٪. أى أن خطب الرئيس للخارج أكثر من خطبه للداخل على مدار العامين وكذلك على مدار كل عام على حدة أخذا فى الاعتبار أن نسبة مخاطبة الخارج زادت عن مخاطبة الداخل خلال العام الثانى مقارنة بالعام الأول.
ثالثا: فيما يتعلق بخطب الرئيس على مدار العامين، وبحساب الفكرة العامة من كل فقرة قيلت فى هذه الخطب من إجمالى الفقرات المكتملة فى الخطاب الواحد، ثم بقياس تلك النسبة من إجمالى الخطابات الرئاسية على مدار العامين، فقد جاءت فكرة التنمية الاقتصادية وما تشمله من مفردات الاستثمار والبنية التحتية على خطب الرئيس الداخلية والخارجية، فمن إجمالى ١٤٩ خطبة هيمنت الفكرة الاقتصادية على ٣٨ خطبة بنسبة ٢٥.٥٪، أى أنه من كل ٤ خطب للرئيس سيطر الاقتصاد والتنمية على خطبة واحدة على الأقل، ثم فى المركز الثانى جاءت الفكرة الأمنية بمفردات مثل (الجيش، الشرطة، الإرهاب، التسليح...إلخ) بمجمل ١٦ خطبة وبنسبة بلغت ١٠.٧٪، أى أنه من كل ١٠ خطب للرئيس فقد هيمنت الفكرة الأمنية على خطاب واحد على الأقل. ثم جاء فى المركز الثالث للأفكار المهيمنة، الموضوعات السياسية الداخلية بمفردات مثل (الانتخابات، البرلمان، الأحزاب، حقوق الإنسان، المجتمع المدنى...إلخ) بـ٦ خطب فقط وبنسبة بلغت ٤٪، أى أنه ومن كل ٢٥ خطبة سيطرت الفكرة السياسية على خطبة واحدة فقط! أما السياسات الاجتماعية المعبرة عنها مفردات مثل (الدخول والتوزيع والعدالة الاجتماعية والتعليم والصحة والتأمينات...إلخ) فقد جاءت فى المركز الرابع بـ٤ خطب فقط بنسبة ٢.٧٪.
رابعا: بالتمييز بين الخطب الداخلية والخارجية من حيث الأفكار المسيطرة، فإن الرئيس حينما خاطب الداخل ومن إجمالى ٦٠ خطبة على مدار العامين، فقد سيطر الاقتصاد على ١٧ خطبة بنسبة ٢٨.٣٪، ثم الأمن بعدد ١٥ خطابا بنسبة ٢٥٪، ثم السياسة الداخلية فى ٦ خطب بنسبة ١٠٪، فموضوعات العدالة الاجتماعية بعدد ٣ خطب بنسبة ٥٪! أى أن ترتيب الرئيس للأولويات حينما خاطب الداخل كان الاقتصاد فالأمن فالسياسة فموضوعات العدالة الاجتماعية، أما حينما خاطب الخارج فقد هيمنت أفكار الاقتصاد والأمن حيث سيطرت الفكرة الاقتصادية على ٢٢ خطابا بنسبة ٢٤.٧٪، ثم الأمن بعدد ٤ خطب وبنسبة ٤.٥٪، فى حين لم يحدث أن سيطرت الأفكار السياسية أو تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وحدها على أى خطاب خارجى ولكنها جاءت دائما مرتبطة بأفكار شرطية أخرى كما سأوضح لاحقا.
خامسا: فيما يتعلق بالأفكار المشروطة أى التى ربط فيها الرئيس إنجاز فكرة بتحقيق أخرى كشرط أولى فقد ربط الرئيس بين تحقيق تقدم ورخاء اقتصادى وتحقيق استقرار أمنى وتحول سياسى (أى أن الاستقرار الاقتصادى والأمنى شرطان لتحقيق تحول سياسى) فى ١٠٠ خطبة وبنسبة بلغت ٦٧.١٪، أى أن أكثر من ثلثى خطب الرئيس للداخل والخارج على مدار العامين تطرح فكرته بوضوح، وهى لا تحول سياسيا إلا بتحقيق استقرار اقتصادى وأمنى. كما ربط تحقيق الاستقرار الأمنى بعملية الإصلاح الدينى فى ١٧ خطبة بنسبة ٢٠.٧٪ بينما ربط الرئيس الاستقرار الأمنى بمحاربة الجماعات الدينية المتطرفة فى ١٠ خطب بنسبة ٦.٧٪.
سادسا: بالتمييز بين الأفكار المشروطة فى الخطب الداخلية والخارجية، فحينما خاطب الرئيس الداخل على حدة فقد قام بهذا الربط المشروط بين تحقيق التحول السياسى بالتقدم الاقتصادى والاستقرار الأمنى ٢٤ مرة بنسبة ٤٠٪، أما حينما خاطب الخارج فقد قام بهذا الربط الشرطى فى ٧٦ مرة وبنسبة بلغت ٨٥.٤٪ وهى نسبة كاشفة للغاية عن منطق الرئيس فى مخاطبة الغرب، إذا أردتم تحولا سياسيا وحقوقا للإنسان، فعليكم دعمنا لتحقيق استقرار اقتصادى وأمنى أولا وإلا....!
سابعا: تحدث الرئيس عن نفسه أو عن خبراته أو نيته أو رؤيته أو أحداث من حياته قبل الرئاسة أو أثناء الرئاسة فى ١٢ مرة من إجمالى ٦٠ خطابا وجهها إلى الداخل بنسبة بلغت ٢٠٪ تقريبا، أى أن خطابا واحدا على الأقل من كل ٥ خطب وجهها إلى الداخل تحدث فيها الرئيس عن نفسه!
***
صحيح أن ما سبق هو إحصاء وتحليل شخصى مبنى على مصدرين وقد تكون هناك نسبة خطأ محدودة سواء فى حصر كل عدد الخطب أو فى تحليل الفقرات ومقارنتها بإجمالى الخطب، ولكن أعتقد أن النسب أعلاه دالة على عامين من حكم الرئيس، فقد كانت رسائله واضحة إلى الداخل والخارج، فهو أولا تحدث فى شكل بيان أو خطاب أو مقالة أو مداخلة أو على هامش مؤتمر صحفى على مدار العامين مرة كل خمسة أيام تقريبا، علما بأن كثافة الحديث فى العام الثانى قلت عن العام الأول، كما أنه تحدث للخارج أكثر مما تحدث إلى الداخل، كما أن ترتيب أفكاره فى الحديث إلى الخارج والداخل لا يتغير. الأولوية للاقتصاد ثم للأمن ثم للتحول السياسى وأخيرا مواضيع العدالة الاجتماعية. كما أنه يشترط تحقيق استقرار اقتصادى وأمنى أولا حتى يمكن الولوج إلى تحولات سياسية.