قناعات إسرائيل فى هذه المرحلة من حربها على غزة
إيريني سعيد
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 مايو 2024 - 6:25 م
بتوقيت القاهرة
تتضاعف المتغيرات ومعطيات المشهد الإقليمى، بما يؤطر للصراع الإسرائيلى والفلسطينى ــ وتحديدا منذ انطلاق طوفان الأقصى ــ ويضعه فى إطار الإشكالية المزمنة، ما يعقد معه التحركات الدولية والأممية والأهم العربية ونتائجها، سيما تجاه النهج الإسرائيلى وممارساته. وبالرغم من مضاعفة الجهود السياسية والدبلوماسية، أقدمت دولة الاحتلال على التحرك تجاه رفح لاجتياحها، عبر عملية عسكرية محدودة سيطرت من خلالها على الجانب الشرقى للمدينة، مع قطع الطريق بين المعبر ومحور صلاح الدين، وفى هذا الاتجاه يمكن إجراء قراءة معقولة تجاه القناعات الإسرائيلية فى هذا الصدد تحديدا.
أولا: إسرائيل حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة وقبيل التحرك باتجاه رفح، خصوصا مع المكالمة التى أجريت بين بايدن ونتنياهو قبيل الهجوم على رفح بساعات قليلة، أيضا الزيارات المتتالية للقادة الأمريكيين إلى تل أبيب، والأهم صفقة الأسلحة والتى حصلت عليها إسرائيل وعقب توافق واضح ما بين الكونجرس والبيت الأبيض، غير أن تعطل بعض الصفقات الأخيرة والمتعلقة بصفقة قنابل دقيقة، فيها إشارة إلى محاولات واشنطن إحكام القبضة ــ فقط ــ على تل أبيب وسياساتها تجاه غزة، ومؤخرا تجاه رفح، وليس التخلى عن إسرائيل بدليل تصريح بايدن وعقب الهجوم على رفح، بأن أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل.
ثانيا: يصعب قراءة المشهد، والإصرار الإسرائيلى على اجتياح رفح بمنأى عن الأهمية الجيوسياسية لمعبر رفح، والذى يعد الممر الأكثر إستراتيجية بالنسبة لغزة وشعبها، وربما المخرج الأهم بالنسبة لغزة على العالم، والمدخل الوحيد الآمن والمُعد لاستقبال الإمدادات والمساعدات الإنسانية والاحتياجات. ولا شك تسعى إسرائيل من جديد إلى السيطرة على نفس المعبر، وربما سيخضع إلى هيئة المطارات الإسرائيلية، بعد تحريره عقب الانسحاب الإسرائيلى من غزة 2005، حيث ظل نفس المعبر المنفذ الوحيد للإمدادات اللوجيستية لغزة وشعبها، وطالما أحكمت إسرائيل قبضتها عليه من ناحية فلسطين سواء عبر التواجد المباشر، أو السيطرة من خلال التواجد غير المباشر، والبداية بإعلان إغلاقه وعبر السيطرة الإسرائيلية بالدبابات ومن ثم اعتماد معبر كرم أبو سالم لحين توليه من قبل السلطة الفلسطينية.
ثالثا: إسرائيل تمكنت من اختيار الآنية المناسبة للاقتحام، لا سيما مع قدرتها على تسييس موقفها أمام المجتمعين الدولى والأممى، وفى ضوء تعدد جبهات القتال سواء مع الجنوب اللبنانى أو حتى الأذرع الإيرانية بسوريا والعراق، واليمن أيضا، والأهم هجمات حماس الأخيرة والتى وصلت إلى دولة الاحتلال عبر معبر كرم أبو سالم، وربما راقت لإسرائيل وفى هذا التوقيت تحديدا الاقتحام.
رابعا: نتنياهو تمكن من تهيئة الداخل الإسرائيلي، حتى مع انفعالات وتظاهرات أهالى المحتجزين، وعبر خطاب عاطفى استدعى خلاله أجواء الهولوكوست أو المحرقة اليهودية على أيدى النازية، بل امتد الأمر لتصوير إسرائيل بالوحيدة فى مواجهة العالم، بما معناه «سنحارب ولو وقفنا وحدنا».
خامسا: يبدو العصيان الإسرائيلى للولايات المتحدة واضحا، حتى بعد التوافق النسبى بين الجانبين، فمع الدوافع والأسباب التقليدية والتى ترغب فى ضوئها أمريكا تحجيم إسرائيل، سواء الأسباب الإنسانية والكارثة المنتظرة حال الاجتياح الكامل لمدينة تعد الملجأ الأخير لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطينى، أو الأسباب السياسية والمتعلقة بموقف الولايات المتحدة كدولة رائدة حارسة للمعايير والقيم أمام المجتمعين الإقليمى والدولى، أو حتى أسباب عسكرية وقتالية تبرز فى ضوء تعدد جبهات القتال مجابهةً لإسرائيل وفى ضوء مسئولية الولايات المتحدة فى الدفاع عنها، وبالتزامن مع المتغيرات الحادثة بالداخل الأمريكى سواء الانتخابات الرئاسية، أو تصاعد الاحتجاجات الطلابية المعقدة والمتداخلة على خلفية تعدد الفئات الطلابية المحتجة والمتعارضة سواء عرب، يهود أو حتى سكان أصليين. مع هذه الأسباب مجتمعة تحاول إسرائيل بالأساس قطع الطرق على أى توجه أمريكى قد يقضى بالحديث عن إمكانية حل الدولتين أو حتى صياغة عملية سلام بين الجانبين.
سادسا: ثمة قناعة إسرائيلية مفادها تمركز كتائب حماس وعدد يذكر من أنفاقها برفح، وربما عدم تمشيطها من قبل قوات الاحتلال، سيعمل على إعادة حماس وجماعة المقاومة عبر إعادة تنظيم صفوفها، وهو ما ليس ببعيد عن تكرار نفس سيناريوهات طوفان الأقصى، بناء على معلومات استخباراتية يروج لها الجيش الإسرائيلى والشاباك؛ غير أن استمرارية ومواصلة التحركات العربية، وفى المقدمة طبعا مصر، من شأنها إحداث حلقة من الضغط على دولة الكيان ومعها الولايات المتحدة، وإن كان الأمر يتطلب بعض التفاعل من قبل حركات المقاومة، وبما يتماشى مع دراماتيكية الأحداث وتطورها، والأهم مراعاة أهالينا وأشقائنا فى غزة.