استمرار المساعدات الأمريكية رغم الأزمات
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 14 يونيو 2013 - 1:35 م
بتوقيت القاهرة
سؤال: لماذا تستمر واشنطن في منح مصر مساعدات سنوية تبلغ 1.55 مليار دولار؟
جواب: لأن حكام مصر يقبلون ويريدون هذه المساعدات.
سؤال: متى توقف واشنطن منح مصر هذه المساعدات؟
جواب: عندما يقرر حكام مصر رفض هذه المساعدات.
هذه خلاصة معضلة المساعدات غير المفهومة، وتشرح السطور التالية تفاصيل الأسئلة والأجوبة السابقة. ونبدأ بما تشهده العلاقات بين القاهرة وواشنطن من أزمة حادة بسبب قضية التمويل الأجنبي والمنظمات الأمريكية العاملة في مصر، والتي بدأت فصلا جديدا ملتهبا إثر صدور أحكام قضائية من محكمة جنايات القاهرة في الرابع من الشهر الجاري بالسجن على 43 متهماً بينهم 16 أمريكياً لمدد تصل لخمس سنوات.
وعلى الرغم من إصدار بيانات شديدة الغضب بعد ساعات فقط من صدور الحكم من البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية وعدد كبير من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب تندد جميعها بالأحكام الصادرة، إلا أن حدة هذه البيانات لم تتعد وصف الاحكام بأنها ذات دوافع سياسية، إضافة لذهاب البعض للتهديد فقط بضرورة استخدام كارت المساعدات الأمريكية والتلويح بإمكانية قطع هذه المساعدات لمصر.
ثم جاء كشف وكالة رويترز عن وثيقة وقعها وزير الخارجية جون كيري في التاسع من مايو الماضي يطالب فيها الكونجرس بالتصديق على مساعدات عام 2013 لمصر معتبرا أن هذا يخدم المصلحة الوطنية الأمريكية، وليؤكد عدم وجود رغبة أمريكية على الاقتراب من المساعدات المقدمة لمصر خاصة في شقها العسكري. وذكرت الوثيقة أن تقديم المساعدات العسكرية لمصر يخدم المصالح الوطنية للولايات المتحدة .
بما في ذلك زيادة الأمن في شبه جزيرة سيناء والمساعدة في منع هجمات من قطاع غزة على إسرائيل ومكافحة الإرهاب وتأمين المرور في قناة السويس واستخدام الأجواء المصرية.
وأضافت المذكرة أن المساعدات العسكرية لمصر يمكن أن تساعد في حماية حدود منطقة شمال إفريقيا وتعمل على بناء علاقات قوية بين الجيش الأمريكي والمصري وخلق نوع من الود والاحترام. وأكدت الوثيقة أن الجيش المصري شريك في نشر السلام والأمن في المنطقة وظل يعمل على الحفاظ على معاهدة السلام منذ 30 عاما.
من ناحية أخرى أحتفظ مشروع الميزانية الفيدرالية لعام 2014 بنفس مستوى المساعدات التي حصلت عليه مصر هذا العام والبالغة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، إضافة إلى 250 مليون دولار مساعدات غير عسكرية.
•••
في عالم السياسة لا تقدم الدول لبعضها البعض مساعدات مجانية أو بدون مقابل، فالمصالح هي ما يجمع بين الدول، وهذه المصالح قليلها مستمر ومستقر، وأكثرها متغير وغير ثابت. وفى الوقت الذى يتذكر الأمريكيون كثيرا أنهم يقدمون مساعدات عسكرية وغير عسكرية كبيرة لمصر، يتجاهلوا في الوقت نفسه ما تكسبه وتجنيه بلادهم مقابل تلك المساعدات.
وعودة للتاريخ القريب تؤكد ذلك، فعندما توترت علاقات الدولتين أثناء حكم جورج بوش وتحديدا في منتصف عام 2006، طلب بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب تقريرا وافيا عن المساعدات العسكرية التي تقدمها بلادهم لمصر، وطالب الأعضاء معدي الدراسة بالتركيز على ما تكسبه وتجنيه واشنطن من جراء تقديمها لهذه المساعدات.
وأشار تقرير قدمه للكونجرس مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي GAOوالذى جاء في 43 صفحة، وهو موجود بالكامل على موقع المؤسسة الإلكتروني، إلى كم كبير من المصالح الأمريكية التي تم خدمتها نتيجة تقديم مساعدات عسكرية لمصر.
ويذكر التقرير أن المسئولين الأمريكيين وعددا من الخبراء الذين تمت استشارتهم أثناء التحضير لهذه الدراسة أفادوا بأن المساعدات لمصر تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
لذلك فالتهديدات بقطع المساعدات العسكرية غير واقعى، وذلك هو ما دفع مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق لتحذير الكونجرس من خطأ تخفيض المساعدات العسكرية لمصر، مؤكدا أنها ذات قيمة عالية جدا، ولا تستطيع دولة أخرى أن تقوم بما تقوم به مصر من خدمة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
واشنطن تخشى خسارة الحليف المصري، لم تجرؤ واشنطن على هذه الخطوة قبل الثورة. وقد تقدم واشنطن على هذه الخطوة فقط إذا تعدت مصر الخطوط الحمراء التي لا يوجد لها تعريف واضح ربما إلا إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
لذا لم يتردد مبارك في سجن الدكتور سعدالدين إبراهيم (صاحب جنسية أمريكية)، ومن بعده الدكتور أيمن نور. احتجت واشنطن، واحتج رئيسها حينذاك جورج بوش، واشتد غضب أصدقاء المعارضين المصريين في الكونجرس، إلا أن مبارك لم يرضخ، وفقط أفرج عنهما عندما ارتأى له ذلك.
•••
وعلى الرغم من تعرض العلاقات المصرية الأمريكية لهزات مختلفة خلال الأربعين عاما الماضية، إلا أن واشنطن لم تقطع يوما المساعدات العسكرية لمصر. وعلى الرغم من أن تشدد الكونجرس وتكرار تهديداته بقطع المساعدات إذا لم يغير حكام مصر من بعض السياسات.
إلا أن هذا لم يحدث قط. ويطرح هذا سؤالا يتعلق بأسباب استمرار تلقي مصر هذه المساعدات؟ الاجابة ببساطة جاءت الأسبوع الماضي على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر ساكي التي ذكرت أن الولايات المتحدة غير ملزمة بتقديم المساعدات لمصر بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، ولكنها تقدم هذه المساعدات نظرا لأنها تخدم المصالح الوطنية الأمريكية في منطقة حاسمة ومتقلبة.
وهكذا يستحيل تصور إقدام أي إدارة أمريكية على المخاطرة بعلاقاتها الخاصة بمصر، وتقطع المساعدات العسكرية. فهل تفاجئ القاهرة العالم وتأخذ زمام المبادرة ونحرر السياسة الخارجية لمصر من عبء الزواج الكاثوليكي غير المقدس مع واشنطن. متى يقول حكامنا بلغة واضحة لا للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.