ملامح الفاشية فى وجه السلطة
سمير كرم
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 يوليه 2009 - 6:54 م
بتوقيت القاهرة
الذين عالجوا الفاشية كظاهرة سياسية اقتصروا على رؤيتها فى الواقع الأوروبى فى فترة ما بين الحربين العالميتين وأثنائهما. مع ذلك فإن الاطلاع على هذه الكتابات النظرية يتيح أدلة أكثر على أن النظرية يمكن أن تساعد على كشف الواقع وتفسيره.
وعلى الرغم من بعد المسافة بين واقع مصر الراهن وواقع أوروبا ما بين الحربين فإن هناك أوجه تشابه واضحة بين واقع السلطة فى مصر الآن ــ ومنذ عشرين سنة أو أكثر ــ وواقع السلطة فى البلدين الأوروبيين اللذين سيطرت عليهما الفاشية فى ذلك الوقت، وهما إيطاليا وألمانيا.. والأولى منهما بالأخص.
الملامح المشتركة كثيرة:
هناك حالة الأزمة الاقتصادية المتواصلة. ومن ذا الذى يستطيع أن يقول إن مصر ليست فى أزمة اقتصادية طوال هذه السنوات العشرين، على الرغم من أرقام تقول إن مصر حققت نموا اقتصاديا بنسبة خمسة أو سبعة ــ أو أقل أو أكثر ــ بالمائة فى بعض تلك السنوات.
فالأزمة الاقتصادية تتمثل فى الواقع الطبقى المأزوم أكثر من أى شىء آخر، والذى يشهد بأن القطاع الأعظم من سكان مصر يعيش أزمة اقتصادية حادة وإن لم تقترب نيران هذه الأزمة من القطاع الأصغر: قطاع الأعمال ورجال الأعمال الكبار.
كذلك تتمثل الأزمة الاقتصادية فى مصر فى حجم الديون الخارجية، الذى لم ينقص إلا لفترة قصيرة أعقبت قرار الولايات المتحدة شطب جزء من ديون مصر المستحقة لها مكافأة على دور مصر فى حملة عاصفة الصحراء على العراق فى عام1991.
يقول المفكر الأمريكى جرانت سنغلتون: «إن حب المال هو جذر كل فاشية». ويقول: «الفاشية هى قطاع الأعمال الكبير.. مسلح بالبنادق».
وهناك تصاعد أهمية الدولة واستثنائيتها فى مصر خلال السنوات نفسها، إلى حد جعل منها أشبه ما تكون بقدس الأقداس وجعل من «أمن الدولة» أهم وأكفأ مؤسسات السلطة.
والفارق واضح بين تصعيد أهمية الدولة ودرجة استثنائيتها وتفوقها فى حرية التصرف على كل الأفراد والجماعات، وبين دور الدولة المعتاد فى مجتمع يأخذ بالرأسمالية ولكنه يتبنى أيديولوجية ليبرالية.
إن الدولة فى مصر تملك كل السلطة وكل الحرية وكل ضمانات البقاء والاستمرار.. ما لا يملكه الأفراد أو الجماعات أو المنظمات المدنية الأهلية. إن النظام فى مصر ينظر إلى الدولة باعتبارها «المطلق».
يقول المفكر العمالى البريطانى جون ستراتشى: «الفاشية هى حكم الأقلية من أجل الأقلية، والهدف هو الاستيلاء والسيطرة على حياة الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية».
ويقول المفكر الاقتصادى الأمريكى تشارلز بيرد: «الفاشية دكتاتورية، والدكتاتورية هى سلطة تملك قوة غير مسئولة. الفاشية محاولة لتجميد الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تطبيق تكنولوجيا متقدمة، تجميدها بواسطة الضغط بقوى عسكرية تدعمها صراحة أو ضمنا طبقة محددة.
وهناك حالة الأزمة الأيديولوجية المتواصلة التى تتمثل فى تردد السلطة الحاكمة ــ وحزبها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية ــ فى تبنى إيديولوجية واضحة. فهى تبدو ــ مجرد تبدو ــ متمسكة ببعض سمات الأيديولوجية الناصرية التى تجمع بين القومية والاشتراكية.
وهى ــ عمليا ــ تحرص على تأكيد ولائها للرأسمالية العالمية والمحلية. وهناك فى هذا الإطار أو قريبا منه حرص السلطة فى مصر على إضعاف التنظيم النقابى والسياسى للطبقة العاملة المصرية إلى درجة تفقدها قدرتها على استخدام سلاحها السلمى الوحيد وهو سلاح الإضراب فى المساومة مع أصحاب رءوس الأموال على الأجور وظروف العمل. وذلك عدا ظروف استثنائية سمحت فيها ظروف ضاغطة بإضراب قطاع عمالى محدد ومحدود.
يقول ستراتشى: «الغرض من الفاشية هو الدفاع بالعنف عن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج». ويقول المفكر الفرنسى من أصل يونانى نيكوس بولانتزاس: «فيما يتصل بالعلاقة بين الفاشية والطبقة العاملة فإن الفاشية تعنى أساسا بإضعاف تنظيمات الطبقة العاملة النقابية والسياسية».
ويقول أيضا: «ينبغى ألا نغفل عن أشكال أخرى من الاستغلال فى سياسة الفاشية تجاه الطبقة العاملة، وهى سياسة خلقت فوارق فى الأجور بين العمال الصناعيين أنفسهم بهدف تقسيم الطبقة العاملة».
وهناك عجز النظام الذى تمثله هذه السلطة عن إنتاج كتّاب ومفكرين جيدين ينتمون إلى هذا النظام ويدافعون عن سياساته وقراراته. ومَنْ مِنْ مثقفينا لا يعرف مدى ضعف الكتّاب والمهنيين الذين أوكلت إليهم السلطة مهام رئاسة وإدارة وتشغيل «الصحافة القومية» يكونون فى مقدمة صفوف المدافعين عنها وعن قراراتها ومواقف حزبها وممارسات هؤلاء جميعا؟
يقول الروائى الأمريكى أرنست هيمنجواى: «لا يستطيع كاتب يرفض أن يكذب أن يعيش أو يكتب فى ظل الفاشية». وكان الزعيم الفاشى الإيطالى بنيتو موسولينى يقول: «إن الدولة الفاشية تنظم الأمة إنما تترك هامشا كافيا من الحرية للفرد. فهذا الأخير يحرم من كل حرية لا فائدة منها ويمكن أن تكون ضارة.. والسلطة هى صاحبة القرار فى هذه المسألة لا يمكن أن تكون الفرد إنما الدولة وحدها».
ترى أى من ملامح الفاشية التى لخصناها لا تستدعى إلى الذهن مباشرة وبكل حيوية وجه النظام المصرى الحالى؟
على أى الأحوال فإنه موضوع يستحق ــ بل يستوجب ــ دراسة تفصيلية وفى العمق.. الأمر الذى لم تسمح به المساحة المتاحة.