من ينزع شرعية من؟

هنري سيجمان
هنري سيجمان

آخر تحديث: الخميس 14 يوليه 2011 - 9:41 ص بتوقيت القاهرة

 يجدر الإشادة بالمفكر الإسرائيلى البارز شلومو أفنيرى، من تيار الوسط، لأنه عارض مخاوف إسرائيل من أن يكون النقد الخارجى لسياسات الاحتلال التى تطبقها بلادهم محاولة لتحدى وجود إسرائيل ذاته. وكتب أفنيرى فى هاآرتس أنه لم يحدث أن تشكك بلد واحد من البلدان التى تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل فى شرعية وجودها.

ويصر أفنيرى على أنه مهما كانت المشكلات التى قد تظهر لحكومة نتنياهو من إصدار الأمم المتحدة قرارا بالاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود 1967، فهى لن تنزع الشرعية بأى شكل عن إسرائيل. ويرى أنه على العكس من ذلك، سوف ينجم عن الاعتراف بفلسطين داخل حدود 1967، الاعتراف الدولى بحدود إسرائيل فى 1967، وهو ما يعنى اعترافا للمرة الأولى بالضفة الغربية كجزء مشروع من دولة إسرائيل. ومن ثم، يخلص أفنيرى إلى أنه «لا توجد تحركات مهمة على قدم وساق لنزع شرعية إسرائيل».

●●●

وهو محق فى ذلك، ولكن يبدو أنه لم ينتبه إلى أن ما يهدد شرعية إسرائيل لا يأتى من الخارج، وإنما من الداخل: رفض حكومتها ترسيم حد بينها وبين الأراضى التى يسكنها ملايين الفلسطينيين الخاضعين لاحتلالها.

فقد رفضت إسرائيل جميع الجمهود المبذولة حتى الآن، حتى من جانب أقرب الدول الصديقة بما فى ذلك الولايات المتحدة لإقناعها بقبول حدود 1967، مع عمليات تبادل أراض متفق عليها، لضم الكتل الاستيطانية اليهودية خارج حدود 1967. فضلا عن رفض حكومة إسرائيل إعلان الموقع الذى تعتقد أن الحدود ينبغى أن ترسم عنده.
وبطبيعة الحال، صدرت تلميحات عن توقعات القادة الإسرائيليين لنتائج سياستهم فى التعتيم المتعمد على طموحاتهم التوسعية.

وعلى سبيل المثال، أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أن على إسرائيل أن تحتفظ بوادى الأردن بالكامل الذى يشكل وحده 30 فى المائة من الضفة الغربية إلى جانب عدد كبير من المستوطنات.
ويتمثل توقعهم فى أنه فى حالة نجاحهم فى إطالة أمد عملية سلام بلا معنى إلى أجل غير مسمى، بما يمكنهم من مواصلة التوسع فى المشروع الاستعمارى الإسرائيلى فى الضفة الغربية، سوف تواصل «الحقائق الميدانية» تحريك حدود إسرائيل لتشمل 60 فى المائة من الضفة الغربية.

●●●

والمغزى فيما سبق، أن إسرائيل هى التى تعمل على «نزع شرعية» حق الشعب الفلسطينى فى حق تقرير المصير الوطنى وإقامة الدولة، من خلال عدم الالتزام بشروط عضويتها فى الأمم المتحدة وهى فى هذه الحالة احترام الحدود الدولية والسعى من خلال وسائل العنف (الجيش والقوات الجوية) إلى الاستحواذ على أراض تتجاوز هذه الحدود فى انتهاك للقانون الدولى والاتفاقيات الثنائية.

ولا يحتاج المرء من أجل اثبات ذلك إلا النظر إلى جهود إسرائيل شبه الهستيرية لمنع الفلسطينيين من نقل قضيتهم إلى الأمم المتحدة، وهى المؤسسة التى تصادف أن كانت مصدر شرعية إسرائيل نفسها كما أقر إعلان استقلال إسرائيل. حيث إن أكثر ما تخافه حكومة إسرائيل حاليا هو الشرعية التى يمكن أن تمنحها الأمم المتحدة ليس للدولة الفلسطينية، وإنما لحدود 1967.


حيث إن دولة تفرض منذ 1967 (أى معظم سنوات عمرها) احتلالا عسكريا على جارتها، وتصادر أراضيها، وتجرد سكانها من ممتلكاتهم، ليست مذنبة بسبب تحديها فحسب لمطالبة جارتها بحق الدولة، ولكن بسبب استخدام العنف لمنع تحقق ذلك على الأرض. وهذا السلوك المارق هو ذاته الذى يثير الشكوك فى شرعية إسرائيل.

ولكن ألا يطرح قيام دولة فلسطينية مخاوف أمنية مشروعة على إسرائيل؟ نعم بالطبع. ولكن نظرا للتفوق العسكرى الإسرائيلى الساحق، ناهيك عن الدعم التى تتلقاه من أعظم قوة عسكرية، فلا تكاد مخاوفها الأمنية تضاهى مخاوف الفلسطينيين من وجود دولة إسرائيلية، خاصة إذا كانت دولة عاشوا خاضعين لاحتلالها وتحت سيطرتها نحو نصف القرن.

فلم يعد باستطاعة إسرائيل أن تتعامل مع مخاوفها الأمنية بإنكار حق الفلسطينيين فى إقامة دولة لهم داخل حدود 1967، بأكثر مما يستطيع الفلسطينيون إنكار حق إسرائيل فى دولة داخل حدود 1967 لتبرير مخاوفهم الأمنية.

●●●

وربما يتعين على الرئيس أوباما، قبل أن يستخدم حق الفيتو الذى وعد به لرفض حق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم، أن يعيد التفكير فى عدالة وقانونية وأخلاقية مثل هذا المسار، ناهيك عن الإضرار بمصداقية أمريكا فى المنطقة وما حولها. وهو الضرر الذى سيلاحقه، كما سيلاحق البلاد خلال فترة ولايته التالية إذا فاز بها. ولا شك أنه يعلم أنه لم يعد يوجد فى أى مكان من لايزال يؤمن بعملية السلام الحالية، التى حث الفلسطينيين على أن يعلقوا عليها مستقبلهم، من دون أن يعدهم بشىء سوى اليأس والقنوط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved