الموازنة العامة.. محاولة للفهم
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 يوليه 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
صدرت الموازنة العامة الجديدة يوم ٢ يوليو فى غمرة انشغال الناس وصدمتهم باغتيال المرحوم المستشار هشام بركات وبالإرهاب المتصاعد فى شمال سيناء، فكان طبيعيا ألا تحظى بالاهتمام الكافى أو بالتغطية الإعلامية اللازمة. والموازنة هى إعلان الدولة عن سياساتها وتوقعاتها لمواردها خلال المالى الجديد (١ يوليو ٢٠١٥ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٦)، وخطتها فى الإنفاق العام، وما سوف تقترضه لتغطية الفارق بين الإيرادات والمصروفات. وفى غياب برنامج اقتصادى واضح للحكومة فإن الموازنة تكون الوسيلة الرئيسية للمواطن فى التعرف على نوايا الحكومة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة المقبلة. لذلك، وبرغم التأخر فى صدور الموازنة وما أدى إليه ذلك من حرمان المجتمع من فرصة الحوار والمشاركة، فمن الضرورى العودة لقراءتها بعد صدورها بشكل نهائى وفتح الحوار بشأنها، ليس بغرض تعديلها أو التأثير على محتواها، ولكن لكى يكون المجتمع ومؤسساته السياسية والأهلية رقيبا على تطبيقها ومتابعا للدولة فى الالتزام بما وعدت به.
وكنت قد علقت منذ أسبوعين على مشروع الموازنة قبل صدورها، وقد اتصل بى السيد وزير المالية شارحا وموضحا لبعض جوانبها وحريصا على دفع الحوار المجتمعى بشأنها، وله بالغ الشكر على اهتمامه وحرصه على المتابعة والتعليق. فالذى تضمنته الموازنة فى شكلها النهائى؟
تتوقع الحكومة هذا العام أن تبلغ إيراداتها ٦٣٢ مليار جنيها، بينما تبلغ مصروفاتها ٨٦٤ مليار. وبذلك فإن يكون الفارق بينهما ــ أى العجز الذى يلزم على الخزانة العامة أن تقترضه ــ نحو ٢٤٢ مليار جنيها، وتكون نسبة عجز الموازنة إلى الدخل المحلى الإجمالى وفقا لتقديرات وزارة المالية نحو ٩٪، وهذا يؤدى بدوره إلى الحد من تزايد الدين العام ومن الارتفاع المطرد فى الأسعار ومن تراجع تنافسية الاقتصاد المصرى. ولكن رقم العجز السنوى وحده لا يكفى للتعرف على طبيعة الموازنة وأثرها الاجتماعى، بل يجب الدخول فى بعض تفاصيلها ومكوناتها لكى يمكن تقييم آثارها المُحتملة على الناس وعلى المجتمع.
لو بدأنا بجانب الإنفاق فسنجد أنه لا تزال هناك ثلاثة بنود فقط تستوعب ٨٠٪ من جملة المصروفات: أولا: بند أجور موظفى الدولة والقطاع العام والمقدر هذا العام بنحو ٢١٨ مليار جنيها (٢٥٪ من إجمالى المصروفات)، وثانيا: بند سداد فوائد الدين العام والبالغ ٢٤٤ مليار (٢٨٪)، وثالثا: بند الدعم ويقدر بمبلغ ٢٣١ مليار جنيها (٢٧٪). ومعنى هذا أن كل ما يتبقى لباقى بنود الإنفاق العام لا يزيد على ٢٠٪، وهى نسبة ضئيلة للغاية ولا تترك للحكومة مساحة كافية للحركة. وأخطر ما يترتب على هذا الخلل الهيكلى المتراكم عبر السنين هو أن يقتصر بند الإنفاق الاستثمارى على ٧٥ مليار جنيها، أى بالكاد ٨،٥٪ من إجمالى الانفاق العام، مما يترتب عليه ضرورة الاعتماد على الاستثمار الخاص فى سد هذه الفجوة التمويلية وهو ما لا تعبر عنه سياسات وقوانين الاستثمار المضطربة الحالية. ويلاحظ أيضا فى جانب المصروفات أن بند الأجور الحكومية قد ارتفع بنسبة ٥،٣٪ فقط مقارنة بما كان متوقعا فى العام الماضى بما يدل على نية الحكومة للحد من الزيادات المطردة فى هذا الجانب. أما بند الدعم فقد انخفض عما كان مرصودا له فى موازنة العام الماضى بنسبة ١٪ (وإن كان يزيد على الإنفاق الفعلى على الدعم فى العام الماضى وفقا لوزارة المالية بنسبة ١٥٪). وقد جاء ذلك عن طريق استمرار تخفيض دعم الطاقة بسبب انخفاض اسعارها عالميا ولكن مع زيادة نسبة ما يوجه منه إلى برامج تستهدف الفقراء بشكل مباشر.
أما على جانب الموارد فإن الوضع لا يزال غامضا وفى تقديرى لا يعبر عن رؤية واقعية. مجموع الإيرادات التى تتوقع الدولة تحصيلها هذا العام يقدر بنحو ٦٢٢ مليار جنيها وبزيادة ١٣،٥٪ عما كان متوقعا فى العام الماضى. هذا المبلغ الاجمالى ينقسم إلى: ثلثين ضرائب ( ٤٢٢ مليار) وثلث إيرادات أخرى (١٩٧ مليار). وهنا لدى أسئلة ومخاوف من أن تكون الرغبة فى النزول بعجز الموازنة إلى ٩٪ قد دفعتنا إما إلى المبالغة الشديدة فى تقدير الموارد الممكن تحصيلها، أو أن تتجه الدولة إلى انتهاج أسلوب الجباية والتعسف من أجل تحقيق هذه الأرقام القياسية. ولنتأمل تحديدا بند الضرائب حيث تقدرها موازنة هذا العام بمبلغ ٤٢٢ مليار جنيها كما سبق القول. ولكن إذا تبين لنا أن هذا الرقم يمثل زيادة فى الحصيلة الضريبية عن المتوقع فى العام الماضى بنسبة ١٦٪ وعما تم تحصيله بالفعل وفقا لبيان وزارة المالية بنسبة ٣٣٪ فلا أعلم إن كانت هذه زيادة واقعية، أم تفاؤل مبالغ فيه، أم نية مبيتة للانقضاض على النشاط الاقتصادى والتجارى بشكل قد لا يتناسب مع استمرار حالة التباطؤ الاقتصادى. ويزيد من غموض هذا الارتفاع الشديد فى الحصيلة الضريبية أن الدولة أجلت العمل بقانون الضريبة على أرباح البورصة لمدة عامين، وخفضت ضريبة الدخل من ٣٠ إلى ٢٢،٥٪، فمن أين تأتى هذه الزيادة إذن؟ والسؤال نفسه يتكرر عند النظر إلى الموارد غير الضريبية والتى يتوقع أن تزيد من ١٦٠ مليار متوقعة فى العام الماضى إلى ١٩٧ مليار هذا العام وهى أيضا زيادة شديدة التفاؤل.
موازنة هذا العام تضمنت عدة جوانب إيجابية، على رأسها الحد من الزيادة فى الأجور الحكومية، والاتجاه نحو المزيد من الدعم الذى يستهدف الفقراء، وعدم الاعتماد على المنح الخارجية غير المعروفة بعد. ولكن على الجانب الآخر فإن الإصرار على النزول بعجز الموازنة إلى ٩٪ ترتب عليه من جهة أن الموارد القليلة المتاحة للاستثمار العام والإنفاق الاجتماعى تقلصت بإكثر مما يحتمله أصحاب الدخول المحدودة، وأن الإيرادات الضريبية وغيرها قد ارتفعت بشكل غير واقعى وقد يضر بفرص إنعاش النشاط الاقتصادى.
الحوار مستمر وقد تكون هناك إجابات مقنعة لما تقدم.