إسرائيل و«الخطر الديموغرافى»!
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 14 يوليه 2018 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
منذ سنوات يركز الإسرائيليون، الساسة منهم والعسكريون، على مسألة «الخطر الديموغرافى»، لأسباب عديدة أبرزها ثلاثة: أولها، المخاوف الإسرائيلية من تعاظم الوعى القومى المتنامى لدى فلسطينيى 48 ومطالبهم بالمساواة فى الحقوق وبأن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها وليست دولة تمييز عنصرى ولليهود فقط. وثانيها، الدعوات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الداعمة لسياسة الاستيطان ولضم الضفة الغربية المحتلة بأقل عدد ممكن من أصحابها الفلسطينيين. وثالثها، فشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فى تحقيق التوازن الديموغرافى رغم الإغراءات التى تقدمها إسرائيل والوكالة اليهودية لزيادة عدد الولادات ولجلب مهاجرين جدد، بل إن عدد الراغبين فى الهجرة المعاكسة قد تزايد.
لقد أوضح «مركز الإحصاء الفلسطينى»، فى تقريره عن مجمل أوضاع الشعب الفلسطينى، أن عدد الفلسطينيين بعد 70 عاما على النكبة تضاعف أكثر من 9 مرات، حيث بلغ عددهم فى العالم نهاية عام 2017 حوالى 13 مليون نسمة، أكثر من نصفهم (6.36 مليون نسمة) فى فلسطين التاريخية (منهم 1.56 مليون فى فلسطين 1948). كذلك، وفق تقرير «الإحصاء الفلسطينى» للعام 2017، بلغ عدد السكان فى الضفة الغربية (بما فيها القدس) 2.9 مليون نسمة، وحوالى 1.9 مليون نسمة فى قطاع غزة. وبناء على هذه المعطيات، يشكل الفلسطينيون حوالى 49.4% من السكان المقيمين فى فلسطين التاريخية. بالمقابل، ووفقا لمكتب «الإحصاء المركزى الإسرائيلي»، بلغ عدد سكان إسرائيل، فى بداية العام الحالى، 8.8 مليون نسمة، بينهم 6.6 مليون يهودى (الرقم يشمل المستوطنين فى الضفة الغربية) و400 ألف غير معرَّفين دينيا ممن هاجروا إلى إسرائيل بموجب «قانون العودة» وغالبيتهم من دول الاتحاد السوفييتى السابق. وحسب «الإحصاء الإسرائيلي»، بلغ عدد العرب فى «دولة إسرائيل» 1.8 مليون نسمة، بينهم الفلسطينيون فى القدس الشرقية المحتلة، والسوريون فى هضبة الجولان المحتلة.
الهاجس الديموغرافى هو من أكثر ما يقلق الإسرائيليين. وقد عمَّقت إحصاءات «الإحصاء الفلسطينى» السجال فى إسرائيل حول التوازن الديموغرافى بين العرب واليهود بفلسطين التاريخية، حيث سارع مؤيدو «حل الدولتين» للتأكيد مجددا على ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين للحفاظ على يهودية الدولة، فيما أتى الرفض من اليمين الحاكم الذى كذَّب هذه الأرقام ملوِّحا من جديد بفزاعة «الخطر الديموغرافى»، لتبرير موقفه الرافض لمنح الفلسطينيين دولة مستقلة. وفى هذا، يرد المحلل السياسى «عكيفا الدار» بالقول: «بالتوازى مع تكثيف الاستيطان واستقدام المزيد من اليهود، ستتعمد حكومة بنيامين نتنياهو مزيدا من شيطنة الطرف الفلسطينى، وتوظيف الشيطان الديموغرافى للتهرب من استحقاقات أى تسوية مستقبلية، لكن إسرائيل التى لا تدخر جهدا لدق إسفين الخلاف بين أبناء الشعب الفلسطينى، تصطدم بالاحتلال والتمييز العنصرى والآبارتايد». ثم يضيف: «المشاريع الاستيطانية واستقدام اليهود، ما عادت لتحسم صراع الديموغرافيا، إذ يعمل الشيطان الديموغرافى جنبا إلى جنب مع توأمه، شيطان العنصرية، لإثبات أن الهوية اليهودية الصهيونية لا تسير جنبا إلى جنب مع الديمقراطية والمساواة».
وقد لفت الخبير السكانى فى الجامعة العبرية، البروفيسور «سيرجيو ديلا فيرغولا» إلى أنه اعتمادا على التوقعات الديموغرافية لـ«الإحصاء الإسرائيلى»، سيصل «عدد اليهود بين النهر والبحر إلى 16 مليونا بحلول العام 2065، والعرب إلى 13 مليونا، ما يعنى أن عدد السكان فى هذه المنطقة سيصل إلى قرابة 30 مليونا. لكن فى حال أصبح نمو الحريديم أكثر اعتدالا، نتيجة لزيادة مشاركتهم فى المجتمع وسوق العمل، فإن وتيرة نمو السكان اليهود ستتباطأ ونسبة السكان العرب سترتفع». ويحذِّر الخبيرُ: «الصورة ستتغير إذا تم شمل المناطق الفلسطينية وسكانها. فإذا أضفنا كل منطقة الضفة الغربية وكل سكانها إلى إسرائيل، ستتقلص الأغلبية اليهودية إلى 60%، ما يجعل مصطلح (دولة يهودية ديمقراطية) فاقدا لمعناه عمليا، وإذا أضفنا سكان غزة، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 50% وسيصل مشروع الدولة اليهودية إلى نهايته».
من جانبها، قالت عضو «الكنيست» «تسيبى ليفنى»، من حزب «المعسكر الصهيوني»، إنه «حان الوقت لكى يدرك الإسرائيليون عواقب المساواة الديموغرافية. إذا لم تستيقظ إسرائيل من أوهام ضم الضفة الغربية، كما ينادى اليمين، فستخسر الأغلبية اليهودية». أما زميلها «نحمان شاى» فقال: «إن تساوى عدد اليهود والعرب بين نهر الأردن والبحر المتوسط، هو بمثابة إنذار أخير لكل القلقين على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».
وفى نهاية المطاف، المسألة ليست فحسب مسألة أعداد وأرقام! فالعالمان الإسلامى والعربى أعدادهما مهولة، وسلاحهما ربما أعظم مما تملكه إسرائيل، لكن المسألة تكمن فى عملية الإعداد والاستعداد. وهنا، وحتى اللحظة، يكمن مقتل هذين العالمين. كذلك، نحن نعيش اليوم فى عهد اليمين الأكثر تطرفا فى إسرائيل وأيضا فى ظل وجود «إدارة أمريكية ليكودية الجوهر»، وعليه لا يمكن استبعاد عمليات إخلاء واسعة المدى تخوفا من الخطر الديموغرافى، سواء فى فلسطين 48 أو الضفة الغربية بما فيها القدس، وبالذات إذا ما اندلعت حرب إقليمية واسعة. إذن، علينا تثبيت الفلسطينيين فى أرضهم ودعم تجذرهم وتقديم العون لهم لمقاومة الاحتلال، بما فى ذلك المسيرات الشعبية التى تشهدها فلسطين وغيرها من أساليب المقاومة الشعبية فى الداخل، والتحركات السياسية فى أروقة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية، مع التأكيد على أن المشروع الوطنى الفلسطينى يعانى حالة من الانسداد وفقدان الاتجاه، انعكست سلبا على قدرته على العمل والاستفادة من الإمكانات الهائلة الكامنة فى الشعب الفلسطينى، لذا فربما نكون أمام «الفرصة الأخيرة» لإنهاء الانقسام الفلسطينى، وبالذات فى ظل التنافس المحموم على الديموغرافيا وغياب عملية سياسية تنهى الصراع، وتمسك اليمين الإسرائيلى بمشروع يهودية الدولة، وبالتالى زيادة عدد الإسرائيليين باستقدام اليهود والتقليل من عدد الفلسطينيين.
أسعد عبدالرحمن
الاتحاد ــ الإمارات