اليقين
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 14 أغسطس 2016 - 10:10 ص
بتوقيت القاهرة
من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الناس أن يظنوا أن العلم يعطينا اليقين، هذا غير صحيح، العلم يساعدنا على وضع فرضية معينة ثم إجراء تجارب لنرى مدى صحة هذه الفرضية، أي عدد من التجارب لن يعطيك اليقين التام بصحة الفرضية و لكن ستزيد من إحتمالات صحتها و تجربة واحدة فقط كافية لإثبات خطأ الفرضية و هذا ينطبق على كل التخصصات التي تخضع للمنهج العلمى فالفرضية يجب أن تقبل الصواب و الخطأ (falsifiable) و إلا خرجت من تعريف الفرضية إلى الإعتقاد أو الإيمان و هذا شيء آخر.
لنأخذ عدة أمثلة عن عدم اليقين في العلم، كلنا درسنا في المدرسة مادة الهندسة و كيفية حساب مساحة الدائرة و المربع و المثلث و المستطيل و لكن هل تعلم أن هذه الأشكال لا توجد في عالم الواقع!؟ حاول أن تجد دائرة مثلاً في عالم الواقع، حتى إن رأيت ما يشبه الدائرة فكلما إقتربت منها وجدت تعرجات، بل إن الدوائر التي نجدها مرسومة في الكتب لو نظرنا إليها بميكروسكوب لرأينا الذرات وهذا ليس دائرة.
حتى ما تراه بعينيك لا يكون يقيناً، هلى تعلم أن الألوان ما هي إلا أطوال موجية، فهل تصدق ما تراه عيناك أو تسمعه أذناك؟ هل الأرض كروية فعلاً؟ بل و حتى في علم مثل الرياضيات الذى يعتبره الكثيرون من أكمل العلوم أثبت كيرت جودل (Kurt Godel) عام 1931 إنه غير يقينى (و هذا تلخيص مخل جداً منى) في قانونيه المعرفين ب (Incompleteness Theories) أو "نظريات عدم الإكتمال"، هل تثق تماماً في نتائج حسابات أجريت بالكمبيوتر؟ ... الأمثلة لا تعد و لا تحصى عن عدم اليقين في العلم ... و سيستمر عدم اليقين هذا مادامت الدنيا مستمرة!
التجارب العلمية تعتمد على المشاهدة و القياس و هذان بدورهما يعتمدان على الإنسان و هو خطاء و غير دقيق بطبعه و على الأجهزة و لها دقة معينة، إذا فحتى التجارب العلمية نفسها فيها هامش خطأ أو لنقل قراءة تقريبية و حيث أن العلم وحدة واحدة و كل أفرعه تؤثر على الأفرع الأخرى فالعلم كله غير يقينى ... لكن لا تظن أن هذا شيئاً سيئاً ... على العكس تماماً!
عدم اليقين هذا يجب أن يقودنا إلى شيئين: أولاً الفضول فعندما نعلم أنه لا شيء يقينى (لا نتكلم هنا عن الأديان) فهذا يدفعنا إلى إثارة أسئلة كثيرة و محاولة الإجابة عنها و هذا مهم جداً للتقدم العلمى، يوجد كتاب مهم هنا يتحدث في هذا الموضوع إسمه (Ignorance: How It Drives Science) أو "الجهل: و كيف يقود العلم" للأكاديمى و العالم من جامعة كولومبيا ستيوارت فايرشتاين (Stuart Firestein)، في هذا الكتاب يقول ستيوارت أن عدم اليقين يفجر طاقات الإبداع البشرى و إذا زدنا عليه الفضول فهذا بالضبط ما نحتاجه للتقدم العلمى، فالمعرفة العلمية لا تسير في خط مستقيم كما قد نظن حين نقرأ الأبحاث العلمية أو قصة إكتشاف معين بل يسير في تعرجات و خطوات للخلف ثم للأمام،هناك جملة طريفة ذكرها ستيوارت فايرشتاين في كتابه تقول "من الصعب للغاية العثور على قطة سوداء في غرفة مظلمة خاصة حين لا يوجد قطة"! و ما قاله العالم الرياضى من جامعة برينستون أندرو وايلز (Adrew Wiles) واصفاً ما يحدث في الإكتشافات العلمية في ظل عدم اليقين فيقول:"تتلمس خطواتك في الغرفة المظلمة و تتلعثم و تتخبط ثم تخبط يدك مفتاح الإضاءة في أغلب الأحيان بالصدفة"!!
الأمر الثانى الذى يقودنا إليه عدم اليقين هو عدم تصديق أي شيء نقرأه بدون تفكير عميق مهما كانت ثقتك في المصدر و هذا ينطبق على كل الموضوعات مثل التاريخ و الجغرافيا و السياسة و الاقتصاد ... إلخ و الموضوعات العلمية طبعاً، يجب أن تسأل الكثير من الأسئلة و أنت تقرأ بحثاً علميا حتى و إن كنت مازلت طالباً مبتدئاً و البحث منشور في مجلة مرموقة، يجب أن تسأل الكثير من الأسئلة عند قراءة خبر معين تناقلته وكالات الأنباء و قد تكلمنا عن القراءة العلمية في مقالات سابقة.
إترك العنان لفضولك فهذا ما سيقودك إلى مزيد من التعلم و العلم!