ارتفعت فى الأيام الماضية أصوات برلمانية وإعلامية تدعو لتعديل الدستور. وسواء كان وراءها تصور محدد جارٍ تنفيذه، أم اجتهادات بعض المتحمسين، أم أن الغرض منها هو اطلاق «بالونة اختبار» لاستطلاع اتجاهات الرأى العام، فإن الواجب يقتضى ألا نسكت وننتظر حتى يداهمنا التغيير ثم نبدأ فى الصياح والشكوى، بل نشارك بجدية فى هذا الحوار لأن التقاعس هو ما يجعل النتيجة محسومة من البداية.
شخصيا فإننى لست ممن يقفون من حيث المبدأ ضد تعديل الدستور، ولست شديد الاقتناع بفكرة أن هناك أحكاما أو مواد «فوق دستورية» لأن الدساتير تصدر بإرادة الشعب، وطالما جرى استفتاؤه على نحو سليم فلا يوجد ما يمنعه من تعديل نصوص الدستور فى أى وقت وبأى قدر، بما فيها المواد التى تحدد ما يجوز تغييره وما لا يجوز.
أما فيما يتعلق بمدة الرئاسة ــ وهى فى الدستور الحالى أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ــ فلا يوجد أيضا من حيث المبدأ ما يمنع من أن تكون مختلفة عن ذلك. هذا أمر تقديرى ولا يوجد له معيار دولى مستقر طالما كان فى حدود ما لا يجعلها رئاسة مستمرة بلا قيد أو حد أقصى كما كانت الحال سابقا.
هذا من حيث المبدأ العام. ولكن تعديل الدستور لا يتعلق فقط بما هو ممكن قانونا أو ما تقوم به الدول الأخرى، بل بالملابسات والظروف المحيطة بالتعديل المقترح. ومن هذا المنظور فإننى أضم صوتى للمطالبين بعدم المساس بالدستور فى الوقت الحالى وعدم تعديل أى من مواده، وذلك للاعتبارات الثلاثة التالية:
أولا) أن هناك محاولة للايحاء بأن هناك تعديلات عديدة مطلوب ادخالها فى الدستور بشكل عاجل، بعضها يتعلق بتعيين وإقالة الوزراء وبعضها بتنازع اختصاص المحاكم وأخرى بحق مزدوجى الجنسية فى الترشح للبرلمان، وغيرها من الاقتراحات. هذه كلها تعديلات ممكنة وربما مفيدة ولكنها ليست بالأهمية والإلحاح اللذين يدفعان إلى تعديل الدستور، خاصة ولم يمض على إقراره سوى ثلاثة أعوام وقليل. الواقع أنه مهما كان لدى المطالبين بتعديل الدستور من اقتراحات لتحسين بعض المواد، فإن موضوع التعديل الرئيسى يتعلق بمدة الرئاسة، وكل ما يجرى اقتراحه بعد ذلك هو من باب اضفاء قدر من العمومية والاتساع على الغرض من التعديل كى لا يبدو كما لو كان مقصودا به موضوع واحد فقط، وهذه الحقيقة سوف تظل مستقرة فى أذهان الناس ولن يغيرها أن تتعدل بضع مواد أخرى أو حتى الدستور بأكمله.
ثانيا) أن الأسباب التى يسوقها مقترحو التعديل واهية. قيل مثلا أن دستورا صدر فى وقت غير مستقر لا يصلح لحالة الاستقرار التى وصلنا إليها، بينما الحقيقة ــ بغض النظر عن توصيف الحالتين ــ أن تعديل الدستور هو ما يعبر عدم الاستقرار. ثم قيل إن الإنجازات التى تتحقق على أرض الواقع تحتاج المزيد من الوقت لكى تستكمل، وهذا ان كان صحيحا يعنى أننا فقدنا الأمل فى أن تكون هناك مؤسسات فى البلد قادرة على استكمال المشروعات القومية والخطط طويلة المدى، بل صار إنهاء العمل مرتبطا بالشخص. بل ذهب بعض من برروا الحاجة لتعديل الدستور إلى أن اطالة مدة الرئاسة توفر على الدولة التكلفة الكبيرة لعقد الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات، وهو منطق غير جدير بالتعليق عليه إصلا. الواقع أنه لا يوجد مبرر حقيقى أو مأزق خطير يستحق تعديل الدستور الان.
ثالثا) ان كل قرار وكل تصرف له مضمون موضوعى وله وقع سياسى ورمزى. وتعديل المادة الدستورية التى تحدد مدة الرئاسة، حتى وإن كإن ممكنا من الوجهة القانونية، إلا انه سوف يكون تعبيرا صارخا عن عدم الاستعداد لقبول أى قيد دستورى على الحكم، والسهولة التى ينظر بها إلى تبديل وتعديل أحكام القانون والدستور بما يهدر مصداقيتهما، ويرسخ لدى الناس الاقتناع بأن القانون أداة للحكم والسيطرة لا تحقيق العدالة والتوازن بين السلطات فى المجتمع، وهذا منعطف خطير يعيد البلد عشرات السنين إلى الوراء.
تعديل الدستور ليس القضية الملحة اليوم ولا يجوز أن يكون مطروحا من الأصل. الأهم هو احترام ما لدينا، وتطبيق احكام الدستور بجدية ودون إبطاء، واعادة النظر فى التشريعات والقرارات الصادرة بالمخالفة له خلال السنوات الماضية، وترسيخ الاقتناع لدى الناس بأهمية الدستور واستقراره لان هذا هو أساس الاستقرار الحقيقى فى المجتمع.