لبنان والعرب.. إما الميليشيات أو الاستبداد
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 14 أغسطس 2020 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
فى لبنان حزب سياسى يملك جيشا وأسلحة ثقيلة بعضها لا يملكها الجيش اللبنانى، وفى الوقت نفسه يمارس السياسة كحزب سياسى له نواب فى البرلمان.
وبه حزب سياسى له مخابرات عتيدة تخترق كل لبنان وأقوى من الأجهزة الاستخباراتية الرسمية وقد تخترقها أحيانا.
فى لبنان حزب سياسى له اقتصاد أقوى من اقتصاد الحكومة، اقتصاد مستقل وجيش مستقل وجهاز مخابرات مستقل، وتجنيد سياسى وعسكرى وتربوى وعقائدى.
فى لبنان حزب سياسى يحارب بجيشه دون علم أو إذن الدولة فى عدة دول فى اليمن وسوريا والعراق، يدرب ميليشيات أو يصنع ميليشيات.
فى لبنان حزب سياسى ولاؤه المعلن مع بيعه علنية للمرشد من دولة أخرى.
فى لبنان حزب سياسى يتردد إعلاميا أنه يسيطر على مناطق كاملة فى ميناء «مرفأ» بيروت الذى انفجر منذ أيام فلا يستطيع مسئول فى الجيش ولا فى المخابرات اللبنانية الاقتراب من هذه المنطقة فى الميناء، فيدخل ما يشاء ويخرج ما يشاء ويسافر عبره من شاء ذهابا وإيابا، ويخزن فيه من الأسلحة والمتفجرات ما شاء، يوزعها على ما شاء من الميليشيات المسلحة، ونفس ما يحدث فى الميناء يحدث فى المطار، وكل مداخل ومخارج لبنان.
فى لبنان حزب يسيطر على 30 كم من الحدود اللبنانية السورية يفعل فيها ومنها ما يشاء دون علم الحكومة.
الحكومة فى لبنان ورئيسها وأكبر المسئولين فيها جاءوا عبر الحزب أو برضاه، الحزب ورئيسه هو الراعى الفعلى والوحيد للشأن اللبنانى كله، يأخذ المغانم ويترك المغارم للحكومة التى يثور الناس عليها ظنا منهم أنها تملك شيئا.
فى لبنان حزب لا تدرى وضعه القانونى الحقيقى، يصنع كل شىء وأى شىء فى أى وقت شاء، يدخل ما شاء من الأسلحة والمتفجرات والممنوعات بحجة المقاومة، مع أن إسرائيل تعربد كما تشاء وكيف تشاء، وإيران حاربت وغزت واحتلت مع ميليشياتها كل الدول العربية دون أن تطلق طلقة على إسرائيل، وكلاهما يعربد فى المنطقة العربية كما شاء وكيف شاء.
إسرائيل تحتل شطرا كبيرا من بلاد العرب سياسيا واقتصاديا، وإيران تحتل أربع دول منه احتلالا كاملا.
فى لبنان حزب اغتال أفضل من خدم لبنان وحسن علاقتها بالجميع «رفيق الحريرى» لأنه لم يرضخ له ولا لسوريا «الأسد الكبير» ولا لإيران.
فى لبنان حدثت الحرب الأهلية الدامية على الحطام وحصلت الحطام.
حولت المنظمات الفلسطينية لبنان لساحة حرب مع إسرائيل دون إذن حكومتها أو علمها أو موافقتها، مما أدى فى النهاية لاحتلال لبنان.
فى لبنان حدثت أسوأ مجزرة للفلسطينيين «صبرا وشاتيلا» عن طريق ميليشيا الكتائب بدعم إسرائيلى كامل بقروا بطون الحوامل قتلوا الشباب الأعزل اغتصبوا النساء وذبحوا الأطفال.
الحزب الذى جاء ليحمى اللبنانيين من إسرائيل أصبح هو سبب قتلهم وتشريدهم، قال اللبنانيون بعد تفجير الميناء «الذى يحمينا هو الذى قتلنا وذبحنا وتسبب فى أكبر مآسينا».
آلاف البيوت دمرت، مخازن الغلال الوحيدة فى لبنان دمرت، 80 ألف طفل لبنانى شرد، هذا التفجير بتقدير الخبراء لا ينتج إلا عبر 2700 طن متفجرات هى التى كانت فى مخازن الميناء.
إنها تشرنوبل جديدة، تشرنوبل الميليشيات، التفجير فضح السياسة اللبنانية وسياسة الحزب، وكما فضحت شيرنوبل الاتحاد السوفيتى وطريقته السقيمة فى فهم وإدارة الحياة، فضح تفجير الميناء سيطرة حزب وميليشياته على الدولة بأكملها، حزب يحتل وطنا، هل الحزب هو الذى يحمى الوطن، إنه ككل الميليشيات والتنظيمات والجماعات فى كل مكان تبحث عن حظوظها وحصصها ومصالحها قبل مصالح الأوطان.
أما المسئولون اللبنانيون جميعا فقد رأوا رأس الذئب الطائر «رفيق الحريرى» الذى فجّره الحزب بربع طن متفجرات، فكلهم خدم للحزب وإن تسموا بغير ذلك.
بلاد العرب أغلبها تدمرها وتقتلها ماديا الميليشيات التى تسيطر على كل شىء وتتحكم بمقدرات البلاد.
أكثر بلاد العرب يقتلها معنويا الاستبداد، الذى أدخل اليأس إلى قلوب شعوبها، وجعلهم لا صوت لهم ولا ذكر، ولا رأى.
أغلب بلاد العرب دائرة بين فتك الميليشيات أو مرض الاستبداد.
العربى خائف فى وطنه، تارة تحتله ميليشيات تابعة لإيران أو تركيا أو روسيا أو أمريكا أو تارة تحتله جيوش هذه الدول، وتارة خائف وجل لا يستطيع حتى التحدث بحرية إلى صديقه من هول الاستبداد، فإن تحدث بصدق وحرية حتى فى مواقع التواصل الاجتماعى سيق إلى السجون أو قطعت أرزاقه أو فصل من وظيفته أو تعرض لأبشع أنواع الإهانات والشتائم، تارة من الكتائب الإلكترونية الجاهزة سواء من الميليشيات أو من الاستبداد لقهر أى إنسان حر.
العرب لا مستقبل لهم، أوطانهم ممزقة، فى كل قسم منها عدة ميليشيات، فسوريا وحدها فيها أكثر من 45 ميليشيا شيعية تابعة لإيران، وعشرات أخرى تكفيرية تابعة لتركيا، وثالثة تابعة لأمريكا، ورابعة وخامسة.
فى اليمن تمزق ما بعده تمزق وكذلك فى العراق، إيران تحتل بميليشياتها عدة دول عربية وتركيا تفعل نفس الشىء، أمريكا تحتل مباشرة أو بعملائها عدة دول، إسرائيل وتركيا وإيران الغزاة الجدد يسرحون ويمرحون فى بلاد العرب.
وهناك بلاد نجت من هذا الاستعمار الجديد لكنها وقعت تحت وطأة الاستبداد الذى أضاع كرامتها وعزتها وحول شعبها إلى كم مهمل لا وزن له ولا قيمة، مسير لا مخير، يمشى إلى جوار الحائط، أو داخل الحائط إن استطاع.
الميليشيات شر مستطير، والاستبداد كذلك فمتى يتحرر العرب منها، ومتى تطير أوطانهم بجناحى قوة الدولة وقوة الشعب، وليس بجناح كسير هو بأس الدولة وقوتها فقط.
الأمة العربية أضاعها الاستبداد تارة والميليشيات أخرى، وأمجاد يا عرب أمجاد.