شهداء الإرادة الشعبية
وائل قنديل
آخر تحديث:
الخميس 15 سبتمبر 2011 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
هذه الثورة أصيبت مبكرا بجرثومة الاستعجال، وما نعيشه الآن من ضبابية وارتباك وتخبط هو حصيلة سبعة أشهر من الهرولة على غير هدى والعشوائية وما اصطلح أولاد البلد على تسميته بـ «الكلفتة» نعم لقد «كلفتوا» هذه الثورة واقتادوها عنوة إلى دهاليز وطرق مظلمة وعرة، ملفوفة فى ضباب لا يؤدى إلا إلى مجهول.
إنهم يتحركون فى الاتجاه الخطأ دائما، وبعد أن ينهكوا الجميع فى التحذير والاحتجاج، يعالجون الخطأ بخطأ آخر، والنتيجة أن السفينة تتخبط الآن فى عرض البحر، لا يعلم أحد أين سترسو وتستقر.
لقد سال حبر كثير فى توضيح اختلالات واعتلالات قانون الأحزاب فور تسريب ملامحه قبل شهور، ومع انتهاء مجلس الوزراء من صياغته، وتقديمه إلى المجلس العسكرى، ومن ضمن ما قيل إنه قانون يجعل التصويت فى الانتخابات عملية أشبه بتسلق الصخور والركض فى فراغ لا نهائى، حيث المطلوب من كل ناخب وفقا لهذا القانون العبقرى أن يدلى بصوته أربع مرات فى توقيت واحد، وهى مسألة محفوفة بالمخاطر والمهالك فى ظل أوضاع مرتبكة ومنفلتة على مستوى البنية الأساسية لأية عملية انتخابية تتمتع بالقدر الأدنى من الاحترام.
غير أن كل الحبر الذى سال جف، وكل الأصوات ذهبت أدراج الرياح، مع إدارة قررت أن تحشو أذنيها بالقطن، وتضع على عينيها غمامة، فلا تسمع إلا صوتها ولا ترى ما حولها وما هو قادم، ولم يهتم أحد بالاعتراضات الوجيهة التى طرحتها القوى السياسية فى مصر.
والآن وبعد أن حل الموعد الافتراضى للبدء فى عملية الانتخابات، يقال لنا إن دراسة جدية تجرى الآن بشأن تعديل قانون الانتخابات، وهذا شىء جيد ورائع لكنه يأتى فى التوقيت الخاطئ والخطير، ويكرس لمنطق عجيب فى إدارة البلاد بعد الثورة، يقوم على السباحة ضد التيار مؤقتا وحين نوشك على الغرق نتذكر شيئا اسمه البوصلة وعلم الأرصاد الجوية.
ومع احترامى لخطوة إعادة النظر فى قانون الانتخابات ونظام تقسيم الدوائر فإن توقيت الإعلان عن ذلك يأتى فى ظل سحب كثيفة تتجمع وتوشك أن تهطل مزيدا من الاستقطاب ومزيدا من العنف، وها هو أحد قيادات الإخوان، وكما نشر موقع «الشروق» أمس يلوح بالعنف إذا ما فكر أحد فى تأجيل الانتخابات وكما قال عضو المكتب الإدارى للجماعة بالإسكندرية «تربينا فى الإخوان على الشهادة ومستعدون لتقديم الشهداء من جديد. والمظاهرات والاعتصامات بالميدان ستعود من جديد إن لم يخضع الجميع لإرادة الشعب وعلى رأسهم سيادة المشير».
وبعيدا عن أن الأمر يبدو متناقضا، إذ يحرم البعض المظاهرات والاعتصامات، ويراها عملا شيطانيا، ثم لا يتورع عن التلويح بها إذا رأى فيها وسيلة لتحقيق مصالحه، فإن المطلوب الآن خريطة طريق واضحة نخرج بها من هذا الوضع البائس، دون أن تستخدم تلك «الإرادة الشعبية» الفضفاضة كفزاعة تبعدنا أكثر عن الطريق الصحيح.
انظر حولك من أقصى الشمال فى الدانمارك وحتى تونس الشقيقة ستجد الناس يتحركون فى مسار سياسى محدد ومنتظم، بينما نحن نعشق المطبات والمنحنيات والتعرجات.