الممر الاقتصادى الجديد.. والأطراف المستفيدة

قضايا إستراتيجية
قضايا إستراتيجية

آخر تحديث: الخميس 14 سبتمبر 2023 - 11:13 م بتوقيت القاهرة

كان أهم مخرجات قمة مجموعة العشرين 2023، التى اختتمت أعمالها يوم الأحد الماضى فى نيودلهى، هو مبادرة الممر الاقتصادى، الذى سيربط بين الهند وأوروبا ويمر بمنطقة شبه الجزيرة العربية (السعودية والإمارات) وإسرائيل. كانت المبادرة انفجارا مدويا للقوى التى تنافس الولايات المتحدة لاسيما الصين، كما يعد اشتراك الهند فى هذا المشروع بمثابة إعلان صريح من جانبها بمعاداتها للصين برعاية أمريكية، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان تجمع بريكس توسيع عضويته لمنافسة النظام الاقتصادى الغربى. فى ضوء ذلك، تناولت الصحف الأجنبية كيفية استفادة أطراف المبادرة منها.. نعرضها فيما يلى.
وفقا لمقال الكاتب فاس شينوى بصحيفة جيروزاليم بوست، كانت هناك انتقادات للإعلان المشترك لقمة مجموعة العشرين التى استضافتها نيودلهى، بما فى ذلك من أوكرانيا والمنظمات البيئية غير الحكومية، لكن القمة ــ التى انعقدت يومى 10ــ11 من الشهر الجارىــ فاقت العديد من التوقعات وقدمت بعض الأفكار التجارية الرئيسية أهمها، مبادرة الممر الاقتصادى الجديدة بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC).
لم يتم الاتفاق على البيان المشترك حتى اللحظة الأخيرة، وكان على رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، أن يتدخل شخصيا للحصول على موافقة من روسيا والصين على البيان الختامى.
تم الإعلان عن الممر الاقتصادى على هامش شراكة أكبر للبنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) يشترك فى رئاستها الرئيس الأمريكى جو بايدن ومودى. بموجبه، يتم إنشاء ممر للبيانات والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط بدعم من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ووقع زعماء الاتحاد الأوروبى وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وجمهورية موريشيوس والإمارات والسعودية والولايات المتحدة والهند مذكرة تفاهم للإعلان عن المشروع التاريخى.
على أى حال، ووفقا لمقال فاس شينوى، تعتبر إسرائيل والهند والولايات المتحدة وإيطاليا هم أكبر الأطراف الفائزة فى هذا المشروع، وذلك على النحو التالى.
• • •
لنبدأ بالولايات المتحدة: مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية، يتصدى بايدن بشكل ملموس لهذا المشروع العملاق، ويجمع حلفاء منطقة البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الهندية تحت مظلة واحدة. يضم الممر أقوى حلفاء الولايات المتحدة فى آسيا والشرق الأوسط وأوروبا تحت تحالف تجارى واحد بقيادة الولايات المتحدة.
صحيح، وفقا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، أن البيت الأبيض لم يذكر تفاصيل بشأن كيفية تمويل المشروع، لكنه يعكس رؤية بايدن «لاستثمارات بعيدة المدى» تأتى من «القيادة الأمريكية الفعالة» والاستعداد لاحتضان الدول الأخرى كشركاء. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إن البنية التحتية المحسنة ستعزز النمو الاقتصادى وتساعد على جمع دول الشرق الأوسط معًا وترسيخ تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادى بدلا من أن تكون «مصدرًا للتحدى أو الصراع أو الأزمة» كما كانت فى التاريخ الحديث.
أفاد سوليفان أن التفكير فى المشروع بدأ بعد زيارة بايدن إلى جدة فى يوليو 2022، حيث أكد على الحاجة إلى مزيد من التكامل الاقتصادى الإقليمى.
وفى يناير، بدأ البيت الأبيض بإجراء محادثات مع الشركاء الإقليميين حول هذا المفهوم. وبحلول الربيع، كان يتم صياغة الخرائط والتقييمات المكتوبة للبنية التحتية الحالية للسكك الحديدية فى الشرق الأوسط. وسافر سوليفان، وكبار مساعديه فى البيت الأبيض عاموس هوشستين، منسق بايدن للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة، وبريت ماكجورك، منسق شئون الشرق الأوسط وأفريقيا فى مجلس الأمن القومى الأمريكى، سافروا جميعهم إلى السعودية فى مايو الماضى للقاء نظرائهم الهنود والسعوديين والإماراتيين. وعملت جميع الأطراف منذ ذلك الحين على وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق الذى أُعلن عنه يوم السبت الماضى.
من جانبه، وضع هوشستين جدولا زمنيا تقريبيا للمشروع خلال العام المقبل. وفى الستين يومًا القادمة، ستقوم مجموعات العمل بوضع خطة أكمل وتحديد جداول زمنية، بحيث تتضمن المرحلة الأولى تحديد المجالات التى تحتاج إلى الاستثمار. وقال هوشستين إنه يمكن وضع الخطط موضع التنفيذ خلال العام المقبل حتى يتمكن المشروع من الانتقال إلى الإعداد المالى والبناء.
• • •
ثانيا إسرائيل: على الرغم من أنها لم تكن حاضرة فى قمة مجموعة العشرين، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مؤتمرا صحفيا مفصلا لشرح ودعم مبادرة الممر الاقتصادى قائلا: «إسرائيل فى محور مشروع دولى غير مسبوق سيربط البنية التحتية من آسيا إلى أوروبا».
ووفقا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، وصف نتنياهو المبادرة بأنها «مشروع تعاون هو الأعظم فى تاريخنا« ومشروع «يأخذنا إلى حقبة جديدة من التكامل والتعاون الإقليمى والعالمى، غير مسبوق وفريد من نوعه فى نطاقه».
وأضاف نتنياهو فى رسالة عبر الفيديو، أن الممر الجديد "سيؤتى ثماره لرؤية طويلة الأمد ستغير وجه الشرق الأوسط وإسرائيل. ستكون بلادنا إسرائيل تقاطعًا مركزيًا فى هذا الممر الاقتصادى، وستفتح سككنا الحديدية وموانئنا بوابة جديدة من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا والعودة". وشكر بايدن وإدارته «على الجهد الكبير الذى أوصلنا إلى هذا الإعلان التاريخى».
ووعد بأن إسرائيل «ستحشد كل قدراتها، وكل خبراتها، بزخم والتزام كاملين إلى الأمام.. لجعل هذا الحلم حقيقة». وكان نتنياهو قد ناقش فى وقت سابق إمكانية إنشاء قطار يربط إسرائيل بالسعودية. ولا توجد علاقات دبلوماسية علنية بين البلدين حتى الآن، على الرغم من أن البيت الأبيض يدفعهما نحو تطبيع العلاقات. وقال مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيك سوليفان، يوم السبت الماضى إن مشروع النقل لا يُنظر إليه على أنه «مقدمة» لاتفاق تطبيع محتمل لكنه وصف إدراج إسرائيل بأنه «مهم». رغم أن صحيفة جيروزاليم بوست رأت أنه بما أن هذا الممر يمر عبر الأردن وإسرائيل (حيفا)، فهو يعد اعترافا صامتا بعلاقات سعودية إسرائيلية على شفا التطبيع، وهو الهدف الذى كان بايدن يعمل على تحقيقه.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلى، إيلى كوهين، إن مكتبه «يواصل جهوده لربط دول اتفاقات أبراهام وإسرائيل، الأمر الذى سيختصر بشكل غير مسبوق الوقت الذى يستغرقه نقل البضائع عبر دول الخليج إلى إسرائيل ومن هناك إلى أوروبا، وسوف يقلل بشكل كبير من تكاليف الشحن».
• • •
ثالثا الهند: ذكر الكاتب الهندى، رجا موهان، فى مقال له على صحيفة The Indian Express أن هناك عدة أسباب تجعل الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا قادرا على رسم مسار جديد جرىء فى عالم متغير، مؤكدا أن الممر يشكل تحديًا لنفوذ الحزام والطريق الصينى فى المنطقة، ويعتمد على التآزر الاستراتيجى والاقتصادى، ويمثل اختراقًا فى سعى الهند للتواصل مع العالم فى الشمال الغربى.
رأى موهان أن قبل بضع سنوات فقط، كانت الحكمة التقليدية فى نيودلهى تقول إن الهند والولايات المتحدة قد تعملان معا فى منطقة المحيط الهادئ الهندية، لكن ليس لديهما الكثير من القواسم المشتركة فى الشرق الأوسط. لكن تم كسر هذه الأسطورة عندما تعاونت الهند والولايات المتحدة مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لإنشاء منتدى I2U2 لتطوير عدد قليل من المشاريع الاقتصادية المشتركة. ويتبين الآن أن الممر بين الهند وشبه الجزيرة العربية وأوروبا أكثر أهمية بكثير.
الأمر الثانى والأهم أن الممر يكسر حق الاحتكار الذى تمتلكه باكستان بشأن اتصال الهند البرى بالغرب. فمنذ تسعينيات القرن الماضى، سعت الهند إلى تنفيذ مشاريع ربط إقليمية مختلفة مع باكستان. لكن إسلام أباد كانت مصرة على رفضها السماح للهند بالوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى.
على حد تعبير المسئولين الأمريكيين، سيساعد الممر الاقتصادى أيضا فى «خفض» درجة التوتر السياسية فى شبه الجزيرة العربية من خلال تعزيز الاتصال بين بلدان المنطقة، إذ كان «البنية التحتية من أجل السلام» لفترة طويلة هدفا مغريا ولكنه بعيد المنال بالنسبة للشرق الأوسط. ويبقى أن نرى ما إذا كان الممر الحالى سيكسر هذا الواقع.
أضاف موهان فى مقاله أنه ليس سرا أن الممر الجديد يتم تقديمه كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والتى احتضنها عدد من البلدان فى جنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. لذلك يعتمد الكثير على السرعة التى يتم بها تنفيذ الممر الجديد وقدرته على تجنب المشاكل المالية والبيئية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. واختتم أن الممر يمثل أيضا تعبئة أوروبا فى تطوير البنية التحتية فى المنطقة. وكان الاتحاد الأوروبى قد خصص 300 مليون يورو للإنفاق على البنية التحتية فى جميع أنحاء العالم خلال الفترة 2021ــ2027. ودعمها للممر الجديد سيجعل الاتحاد الأوروبى صاحب مصلحة رئيسية فى دمج الهند مع شبه الجزيرة العربية وأوروبا.
• • •
رابعا وأخيرا، إيطاليا: وفقا لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، بالنسبة لميلونى، كان اللقاء الثنائى مع رئيس الوزراء الصينى لى تشيانج مناسبة لإبلاغه بنية إيطاليا الانسحاب من مذكرة التفاهم الخاصة بمبادرة الحزام والطريق. وبالتالى فإن المشاركة الإيطالية فى الممر الاقتصادي تعتبر انتصارا، وستلعب دورا رئيسيا ليس فقط فى تطوير الوقود الحيوى ولكن أيضًا فى خطوط أنابيب الهيدروجين وأمن الطاقة ونقل الكربون. وربما فى تطوير السكك الحديدية العابرة للقارات.
وبصرف النظر عن الأهمية الاقتصادية لهذه البرامج المختلفة، فإن هذا يوسع خطة ميلونى «ماتى» إلى شواطئ الهند. وتصبح إيطاليا مفترق الطرق الأوروبى مثلما تصبح إسرائيل مفترق طرق الشرق الأوسط للبيانات والطاقة والتجارة من الهند إلى أوروبا.
كما أن إدراج الاتحاد الأفريقى فى مجموعة العشرين يخلق الفرصة لجدول أعمال ميلونى لمجموعة السبع القادمة فى عام 2024. إذ وضعت ميلونى أفريقيا فى مركز أجندتها الدولية، وكانت اللغة المتعلقة بالهجرة فى إعلان مجموعة العشرين متوافقة مع استنتاجات المؤتمر الدولى للتنمية والهجرة الذى استضافته ميلونى فى يوليو 2023.
إعداد: ياسمين عبداللطيف

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved