ما هى علاقة الحوار الوطنى بـ«الإجراءات الجنائية»؟
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 14 سبتمبر 2024 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
هل هناك علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الحوار الوطنى وقانون الإجراءات الجنائية الذى يثير الكثير من النقاش والجدل هذه الأيام؟!
وهل صحيح أن الحوار الوطنى هو الذى ناقش قانون الإجراءات الجنائية وأقر كل هذه البنود والمواد التى تغضب الجميع تقريبا خصوصا المحامين والصحفيين، بل وبعض القضاة؟
لماذا أطرح هذه الأسئلة؟!
لأن هناك للأسف كثيرين ومنهم من يفترض أنهم نخبة ومثقفون ومطلعون يخلطون الأمور بحسن نية شديد، ولا يعرفون الفرق بين وظيفة الحوار الوطنى ومشروع قانون الإجراءات الجنائية.
للمعلومات، قانون الإجراءات الجنائية قديم جدا منذ عام ١٩٥٠، وكانت هناك دعوات متكررة لتعديله منذ سنوات، لكنها لم تتم.
القانون مهم جدا ويتعلق بكل إجراءات التقاضى وبصميم عمل كل المتقاضين والقضاة والنيابة العامة والمحامون والمتهمون والصحفيون وكل مواطن له صلة بعملية التقاضى.
أما الحوار الوطنى فقد دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ٢٦ إبريل ٢٠٢٢، لتحديد أولويات العمل الوطنى، وانطلقت أعمال مجلس الأمناء فى أوائل يوليو ٢٠٢٢، أما الحوار نفسه بين القوى السياسية والمجتمعية فقد انطلق فى مايو ٢٠٢٣.
مجلس الأمناء استغرق وقتا طويلا لتحديد القضايا المزمع مناقشتها، وكان المعيار الاساسي أنه سيناقش أى قضية ملحة يمكن الوصول فيها إلى حلول قابلة للتنفيذ، وليس مجرد أفكار وشعارات غير عملية.
فى المحور السياسى فإن إحد موضوعاته كان «الحبس الاحتياطى» باعتباره موضوعا مهما فى لجنة الحريات وحقوق الإنسان، وبالفعل فقد تمت مناقشته بجدية فى جلسات موسعة وضيقة وعلى مستوى الخبراء، حتى تم التوصل إلى توصيات متوافق عليها وأرسلها مجلس الأمناء إلى الرئيس السيسى الذى أحالها بدوره للحكومة التى أرسلتها لمجلس النواب، وتم وضعها بعضهم فى مشروع القانون المزمع إصداره.
إذن الحوار الوطنى لم يناقش إلا قضية الحبس الاحتياطى فقط وهى عبارة عن خمس او ست مواد من إجمالى مواد القانون البالغ ٥٤٠ مادة. وبالتالى فالحوار الوطنى ليس له أى صلة من قريب أو بعيد بقانون الإجراءات الجنائية ومواده المثيرة للجدل، باستثناء مواد الحبس الاحتياطى .
لم يكن فى مقدور الحوار الوطنى ومحاوره ولجانه أن يتصدى لقوانين مثل «الإجراءات الجنائية» لأسباب متعددة، منها مثلا أن فكرة الحوار الوطنى كانت تركز على حل قضايا عاجلة وملحة بما يقود إلى مزيد من الانفتاح فى المشهد العام خصوصا السياسى.
وبالتالى لم يكن طبيعيا أن يتم مناقشة قانون ضخم ومكمل للدستور مثل «الإجراءات الجنائية» مثلما لم يكن منطقيا أن يناقش الحوار الوطنى قوانين كبري مثل تنظيم التجارة اوالزراعة أو الصناعة، بل موضوعات محددة فى المحاور الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الحوار الوطنى لم يناقش مثلا قانون العمل الموحد أو قانون الضرائب، هو ناقش قضايا محددة مثل الديون والتضخم.
لم يكن ممكنا للحوار الوطنى مناقشة مشروع قانون بالكامل مثل الإجراءات الجنائية، لأن ذلك فوق طاقته، وفوق احتماله، ثم إن هذا الأمر يتعلق بجهات ومؤسسات كثيرة، ومكانه الطبيعى مجلس النواب، وبالتالى كان منطقيا أنه يناقش قضية محددة فى هذا القانون وهى «الحبس الاحتياطى» وقد نجح من وجهة نظرى فى هذه القضية لأن بعض توصياته تم تضمينها فى مشروع القانون خصوصا فى تخفيض مدة الحبس الاحتياطى وتعويض المحبوسين بالخطأ والبحث عن بدائل للحبس الاحتياطى وضرورة أن يكون الحبس مسببا، وإعادة دمج المفرج عنهم فى المجتمع.
السطور السابقة ليست بيانا رسميا عن مجلس أمناء الحوار الوطنى الذى أتشرف بأن أكون أحد أعضائه، بل مجرد وجهة نظر لشاهد عيان حضر معظم الجلسات واستمع لكل الأفكار. وبالتالى فعلاقة الحوار الوطنى بقانون الإجراءات الجنائية اقتصرت على التقدم بتوصيات تخص الحبس الاحتياطى ،وهي حوالي 5 نقاط فقط من إجمالى ٥٤٠ مادة هى إجمالى مواد القانون.
ما أريد أن أقوله بوضوح أن من حق الجميع أن يوافق، ويعترض على مواد قانون الإجراءات الجنائية ، لكن ليس من حق أحد الزج باسم الحوار الوطنى فى القضية لأنه برىء منها قولا وفعلا.
ورغم ذلك أكرر وأتمنى كمواطن ألا نستعجل فى إصدار القانون حتى نصل فعلا إلى نقطة التوازن التى تحقق مصلحة جميع الأطراف بقدر الإمكان وليس مصلحة طرف واحد على حساب بقية الأطراف