العالم يتزاحم ثانية على أفريقيا.. والعرب من القمة يراقبون
جميل مطر
آخر تحديث:
الخميس 14 أكتوبر 2010 - 10:14 ص
بتوقيت القاهرة
مرة أخرى يتزاحمون على أفريقيا. فى المرة الأولى تزاحم وتسابق ذوو البشرة البيضاء. هذه المرة تتزاحم وتتسابق على القارة ألوان شتى من البشر. جاءت ولم يكن قد خرج بعد الرجل الأبيض، بل بقى وإن متسترا بأقنعة جديدة مثل الحرب ضد الإرهاب ومطاردة «القاعدة» والسيطرة على مصادر القوة النووية وحفظ السلام وضمان الاستقرار ودعم الديمقراطية.
الآن وفى كل مكان فى أفريقيا نساء ورجال جدد ذوو بشرة صفراء قادمون من الصين وذوو بشرة سمراء من الهند والبرازيل، وآخرون من البيض ولكنه بياض مختلف، هؤلاء هم الأتراك. كل الناس يتزاحمون على القارة السمراء إلا المصريون والعرب.
جرى التزاحم الأول فى نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد بين عام 1880 ونهاية القرن. جرى لدوافع وتطورات كثيرة من المهم الآن أن نتذكرها، وإن كان بعض هذه التطورات لم نقرأها فى كتب مدرسية حررها معلمون متأثرون بما كان يكتبه الأوروبيون. منها على سبيل المثال أنه:
1ــ كانت قد تراكمت فى أوروبا رءوس أموال من تجارة الرقيق احتاج إعادة تدويرها لأسواق وأنشطة استثمارية جديدة.
2 ــ كانت قد توحدت كل من إيطاليا وألمانيا واستقر توازن قوى جديد فى القارة الأوروبية فتوقفت سياسات التوسع الإقليمى داخل القارة وظهرت الحاجة إلى مجالات جغرافية جديدة لتسريب طاقة التوسع المختزنة فى أوروبا وتفادى حروب أوروبية جديدة.
3 ــ كانت قد تقدمت وسائل المواصلات البحرية وظهرت سفن تجارية تستطيع التوغل فى مجارى الأنهار الأفريقية نحو مجاهل القارة ومناطق لم يدخلها أوروبيون من قبل.
4 ــ كانت قد تطورت صناعة الاستكشاف التى بدأت لتحقيق أهداف بريئة مثل البحث عن مدينة تومبيكتو الأسطورية والوصول إلى منابع النيجر وانتهت بأن صار المستكشفون عملاء لدول أوروبا وملوكها يعقدون باسمهم الصفقات التجارية، ويسجلون الأقاليم الشاسعة المكتشفة بأسماء شركات وأمراء وملوك.
وكان مورتون ستانلى، الذى عمل لحساب الملك ليوبولد الثانى المثال البارز على فئة شريرة من المكتشفين، وهو الذى خصص الكونغو مستعمرة خاصة للملك البلجيكى وحفر نهرا من دماء لم يتوقف نزفها منذ ذلك الحين. وبعد ستانلى جاء كارل بيترس وآخرون كثيرون.
5 ــ كانت قد تقدمت علوم الطب وأمكن قهر الملاريا التى استحقت بسببها أقاليم غرب أفريقيا بجدارة لقب «مقبرة الرجل الأبيض».
هكذا، وبفضل هذه الأسباب وغيرها لم ينته القرن التاسع عشر إلا وكانت القارة الأفريقية قد خضعت للاستعمار الأوروبى باستثناء دولتين هما إثيوبيا وليبيريا علما بأنه لم يكن لأوروبا فى أفريقيا فى بداية القرن أكثر من 10% من أراضيها خاضعة لها.
يختلف التزاحم الثانى الجارى حاليا عن التزاحم الأول فى جوانب كثيرة. فالتزاحم الثانى لم ينعقد له مؤتمر كمؤتمر برلين، الذى انعقد فى عامى 1884 و1885 ليضع قواعد التزاحم ويوزع الأدوار ويقسم أفريقيا ويقدم ألمانيا وإيطاليا دولتين استعماريتين أسوة بالمؤسسين الأوائل، وهم البرتغال وإسبانيا وهولندا وبريطانيا وفرنسا. يختلفان أيضا فى أنه لا يوجد بين المتزاحمين الجدد دول أوروبية إذا لم نعتبر تركيا دولة أوروبية، فالأكثرية العظمى من المتزاحمين الجدد جاءوا من الصين فى أقصى الشرق ومن البرازيل فى أقصى الغرب ومن الهند وإيران.
بمعنى آخر، ولأول مرة فى العصور الحديثة، تتزاحم على ثروات أفريقيا وأسواقها دول تنتمى للجنوب. وهى الحقيقة، التى أكدها الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا، إذ أكد أكثر من مرة أن بلاده مع دول أخرى «تحقق حلم الأجيال التى خضعت للاستعمار الأوروبى فى أن تتعاون فيما بينها لتكسر قيود الاستعمار الغربى وتشترك فى إقامة نظام عالمى جديد».
من ناحية ثالثة أو رابعة جاءت دول التزاحم الجديد مدفوعة بالرغبة فى تحقيق هدف معلن وهو المصلحة المادية للطرفين. لا أحد جاء بزعم أو ادعاء أنه يحمل رسالة تبشير أو دعوات عنصرية مثل «رسالة الرجل الأبيض»، التى حملها الأوروبيون.
وأظن أن شبهة مماثلة أصابت المشاركة الإيرانية حين نشط رجال دين فى نيجيريا من الذين درسوا فى قم وطهران، مثل الشيخ إبراهيم زكزاكى، وبدأوا ينشرون فى شمال نيجيريا أفكارا قريبة من المذهب الشيعى وإن شديدة التطرف. والمدهش أن تركيا شجعت السيد فتح الله جرين صاحب المذهب الدينى المعروف باسمه ويتبعه الملايين من البشر فى شتى أنحاء العالم على فتح مدارس تركية فى تنزانيا كبداية.
ومع ذلك لا تخلو المقارنة بين التزاحمين الأول والثانى من أوجه شبه، أهمها على الإطلاق، أن الدافع الأساسى للتزاحم فى معظم الحالات كان النمو المطرد فى أنشطة وأرصدة الشركات العابرة للحدود فى الدول المتزاحمة الجديدة، فمن البرازيل قادت عملية التوجه إلى أفريقيا شركة بتروباس للنفط وفالى للمعادن، وكلتاهما من أكبر الشركات العالمية وأقواها نفوذا.
ومن تركيا وجدت سياسة الحكومة تجاه إفريقيا دعما هائلا عندما اجتمع فى استانبول مئات من كبار رجال المال فى تركيا وأكثر من ألف رجل أعمال ومسئول أفريقى وعندما انعقدت أول قمة تركية أفريقية فى أغسطس 2008 وحضرها خمسون دولة أفريقية.
وفى الهند تولت شركة تاتا TATA لصناعة السيارات وضع برنامج للتركيز على أفريقيا، وبدأ تنفيذه بتقديم قروض إلى موريشيوس وكينيا وإثيوبيا وقيام ولاية أندرا براديش بإرسال 500 مزارع هندى إلى كينيا وأوغندا بناء على اتفاق يسمح لهم بزراعة أراضٍ كملاك وليسوا كأجراء لمدة 99 عاما، بحساب 3.75 دولار للهكتار الواحد.
وفى كل الحالات، وبدون استثناء، لعب القادة السياسيون فى دول التزاحم دورا بالغ الأهمية فى تدشين العلاقات المكثفة مع أفريقيا وفى دعمها. إذ تولى مثلا كل من محمد خاتمى ورافسنجانى مسئولية تدشين العلاقات بين إيران وإفريقيا ثم تولى نجاد مسئولية دعمها وتعميقها.
وقام الأخير بزيارة فى يوليو الماضى إلى غرب أفريقيا، وبخاصة السنغال التى زار رئيسها إيران ست مرات منذ عام 2003 بينما زارها نجاد ثلاث مرات.. ولا يخفى الاهتمام الإيرانى بالنيجر تحديدا، فهناك يوجد أحد أهم مصادر اليورانيوم فى العالم.
أما البرازيل فقد زار رئيسها لولا دا سيلفا القارة الأفريقية خلال مدة حكمه، التى لم تتجاوز ثمانى سنوات إحدى عشرة مرة. زار 25 دولة أفريقية، واستطاع بفضل سياسة شجاعة وجريئة وبجهود شخصية أن يصل بحجم التجارة بين البرازيل وأفريقيا إلى 25 مليار دولار،لتصبح بلاده الثانية فى الترتيب بعد الصين.
ويقول موريسيو كارديناس الباحث فى مؤسسة يروكنجز إن المبادرة الأفريقية، التى دشنتها البرازيل دليل مؤكد على قوة العلاقة، التى قامت بين لولا، الرئيس ذى السمعة الاشتراكية، وقطاع رجال الأعمال البرازيلى، ومؤشر على أن العلاقات البرازيلية الأفريقية سوف تستمر وتنمو حتى بعد أن يترك لولا الحكم فى يناير المقبل.
كان لافتا للانتباه إصرار الدول المتزاحمة الجديدة على تقديم ما يثبت أن لها ماضيا فى أفريقيا أو تربطها بشعوبها صلات ووشائج شتى. بدت بعض مسوغات الترشح للتزاحم مثيرة مثل مسوغات البرازيل والصين، بينما كانت مسوغات تركيا أقل إثارة وإيران منعدمة الإثارة. إيران لم تجد ما تقوله عن ماضٍ لها مع أفريقيا ولعلها ما زالت تبحث فى كتب التاريخ القديم جدا. أما تركيا فقد حاولت تذكير الأفارقة بأنها ليست بدون خبرة فى شئون القارة بدليل أن أقاليم شتى فى أفريقيا كانت تخضع لسلطة الباب العالى. من هذه الأقاليم مصر والجزائر وتشاد وجيبوتى وأريتريا وإثيوبيا وليبيا والنيجر والصومال والسودان وتونس. لا أظن أن تركيا كانت موفقة فى التذكير بهذه المرحلة من تاريخها فى أفريقيا.
البرازيليون كانوا أكثر توفيقا حين أقاموا حملتهم لدخول أفريقيا على حقيقة أن بلادهم تضم ثانى أكبر تجمع أفريقى فى العالم بعد نيجيريا، إذ يبلغ تعداد البرازيليين من أصل أفريقى نحو 76 مليون شخص من مجموع السكان (190 مليونا). وينعكس هذا بوضوح على الثقافة البرازيلية وطباع السكان واهتماماتهم.
أما الصين فكانت كعادتها مبدعة. إذ تقوم الآن بعثات علمية وعسكرية، وسط تغطية إعلامية كثيفة، بالبحث عن حطام سفينة حربية فى منطقة قريبة من ساحل كينيا يقال إنها غرقت هناك فى عام 1418 خلال قيامها بمهمة استكشافية. حدث هذا قبل أن يشرع البرتغالى فاسكو دى جاما فى القيام برحلته الشهيرة، التى قادته إلى مومباسا على الساحل الكينى فى أبريل من عام 1498. أى أن السفن التجارية الصينية، التى أبحرت من الصين بقيادة القبطان المسلم الأصل Zheng He وصلت إلى أفريقيا قبل أى سفينة تجارية أوروبية. تقول الصين إن الأدميرال العظيم كان موفدا من الإمبراطور فى مهمة سلام وصداقة!
بلغنا منذ أيام أنه انعقدت فى مدينة سرت الليبية قمة ضمت عددا من القادة العرب والأفارقة.
بلغنا أيضا أنه لم تعرض على القمة مشاريع أو برامج اقتصادية وتجارية محددة ولم يحضر فيها رجال أعمال وصناعيون عرب وخرج عنها بيان إنشائى لا قيمة له بحساب زخم التزاحم الراهن وضخامة الاستثمارات الجديدة وكثافة شبكات العلاقات، التى تنسجها دول من الجنوب مثلنا مع دول القارة السمراء.
انعقدت قمة عربية أفريقية لم تحظ باهتمام عربى أو أفريقى ولم تقنع وسائط الإعلام العالمية بأنها تستحق مكانا بارزا فى الصحف ووقتا معقولا فى القنوات الفضائية.
قمة عربية أفريقية لم يهتم بها الإعلام الأفريقى ومرت مرور الواجب على الإعلام العربى.