هامش للديمقراطية.. عن المتورطين الجدد فى تزييف الوعى
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الإثنين 14 أكتوبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
نعود إلى البدايات: إذا كان انتفاء رغبة المواطن فى الحصول على المعلومة وفى معرفة حقيقة الأوضاع فى دولته ومجتمعه يقوض التنظيم الديمقراطى ويقضى على فرص التحول باتجاهه (كما شرحت بالأمس)، فإن ما يترتب على انتفاء الرغبة هذه من تسارع عمليات تشويه وتزييف لوعى قطاعات واسعة من المواطنات والمواطنين هو الذى يمهد لبناء الاستبداد والسلطوية أو يطيل من عمر نظم الحكم المستندة إليهما. والكثير من تشويه وتزييف الوعى يحدث فى مصر اليوم ويجتاح المساحة العامة السياسية والإعلامية.
والمتورطون فى عمليات تشويه وتزييف وعى المصريات والمصريين يتنوعون. فبعض مؤسسات الدولة وأجهزتها تواصل تورطها فيها بالترويج لمعلومات منقوصة أو مبتسرة أو مختلقة أو بالامتناع عن نشر المعلومات وفرض خطوط حمراء على أمور وقضايا بعينها، والأهداف عادة ما تتراوح من السيطرة على توجهات الرأى العام مرورا بالإضرار بمعارضى نخبة الحكم والمتحالفين معها وصولا إلى صناعة حالة من القبول الشعبى الزائف لاختيارات وسياسات (ممارسات الدولة الأمنية مثلا) تتناقض مع قيم الحق والعدل والحرية والمساواة وفى التحليل الأخير مع المصلحة الوطنية. وبعض القوى السياسية والحركات المجتمعية تتورط فى عمليات تشويه وتزييف الوعى بالترويج لقراءة حدية للواقع المصرى الراهن تصنف اليمين الدينى كشر مطلق ومعارضيه كأرباب الخير الخالص وتقترح على المصريات والمصريين حلا وحيدا للخروج من أزماتهم الراهنة يتمثل فى الدولة الأمنية ووصول عسكرى إلى رئاسة الجمهورية ولا يتمثل بالقطع فى استعادة مسار ديمقراطى غير شكلى وبناء التوافق المجتمعى على أسس من عدل الدولة وضمانات حقوق وحريات المواطن ومشاركته فى إدارة الشأن العام. وفعل هذه القوى والحركات هنا، من جهة، يعيد إنتاج ذات خطاب التكفير الذى تورطت بصياغته والإبقاء عليه فى فترات سابقة مجموعات اليمين الدينى وإن بمضامين تستند إلى وطنية زائفة ومنزوعة الإنسانية (كبديل للتوظيف المتطرف ومنزوع الإنسانية أيضا للدين).
ويمهد، من جهة أخرى، ومن خلال الترويج «للحل الأوحد» لتعميم «الصمت إلا تأييدا» على المصريات والمصريين الذين يتحولون بذلك إلى كتلة صماء مؤيدة (أو قطيع مستتبع) ولكبت ثم قمع أصوات المغردين خارج السرب الباحثين عن حلول تتسق مع الجوهر والقيم الديمقراطية والذين يلصق بهم دعاة «الحل الأوحد» زيفا أختام الإقصاء بتصنيفهم «كقلة مندسة» أو «طابور خامس» أو «خلايا إخوانية نائمة» إلى آخره.
ويتورط فى تشويه وتزييف وعى الناس مجموعات من كتاب وسياسيين وإعلاميين ومعلقين على الأحداث الجارية صارت لهم قبعات تعريفية (أى لتعريف الرأى العام بشخوصهم) تتواكب مع موجات الترويج للوطنية الزائفة ولمقولات الحل الأوحد الإقصائية. فهذا كاتب (أو مفكر) منشق عن جماعة الإخوان أو غيرها من مجموعات اليمين الدينى يصنع له زيفا تخصص بشأن «خلاياهم النائمة».
و«خططهم الشيطانية»، وهنا كاتب آخر لا إسهام له إلا بهجاء مبتذل لأفكار من يختلف معهم، وذاك سياسى «ليبرالى وديمقراطى» يرفض التفاوض والحلول الوسط التى يتركها لأصحاب الأيادى المرتعشة، وهناك إعلاميون ومعلقون يتفاخرون أمام الكاميرات التليفزيونية الدائرة وبتغييب تام للقيم الأخلاقية بمعرفة زائفة بتفاصيل الحياة الشخصية لمعارضى نخبة الحكم الحالية. هؤلاء، والذين سميتهم فى بدايات يوليو ٢٠١٣ «طيور ظلام المرحلة» ومازلت أصر على المسمى هذا، هم المتورطون الجدد فى تشويه وتزييف وعى المصريات والمصريين بترويجهم للمقولات التخوينية والإقصائية وبإضفائهم شرعية على الممارسات الأمنية التى تعصف بحقوق وحريات المواطن وعلى مضامين «الحل الأوحد» التى ستلغى فرص التحول الديمقراطى وتنهى مدنية الدولة. هؤلاء، وعلى اختلاف قبعاتهم التعريفية، يتشابهون مع مبررى الفاشيات الأوروبية والأمريكية اللاتينية ومع مروجى المكارثية الأمريكية ومع الأجيال السابقة من عشاق نظم الاستبداد والسلطوية فى العالم العربى والمستفيدين منها، وهم ولو بعد حين إلى انزواء واختفاء من التاريخ الإنسانى للشعوب، وليس الشعب المصرى باستثناء.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.