تعطيل العقل فى بر مصر
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 14 أكتوبر 2015 - 8:40 ص
بتوقيت القاهرة
منذ لحظة ميلادها فى صيف 2013، والسلطوية الجديدة فى مصر تعمل على تجريد المجال العام من العقل كما جردته من القيم الأخلاقية والإنسانية.
عادت السلطوية الجديدة العقل حين مكنت طيور الظلام والمكارثيين من تزييف وعى الناس وتضليلهم لكى يعتبروا الخروج على الإجراءات الديمقراطية والتورط فى قتل ومظالم وانتهاكات غير مسبوقة فعلا «بطوليا» بامتياز هدفه إنقاذ الوطن. ثم كان أن صار تزييف الوعى غرسا لحالة من الهيستيريا الجماعية تقبل الظلم والقمع والعقاب الجماعى وتقف بلا مبالاة إزاء مشاهدهم الصارخة.
عادت العقل حين استدعت «رموز» النخب التى تصف نفسها بالمدنية، وبعد أن انقلب هؤلاء على شعارات الديمقراطية والحقوق والحريات التى ادعوا طويلا الالتزام بها، لكى يتولوا هم مهام الترويج لإماتة السياسة ولعسكرة الحكم إن تحت لافتات «التفويض الشعبى» أو عبر مقولات «مرشح الضرورة» التى أوغلت فى الانقلاب على حق الناس فى ممارسة حرية الاختيار أو من خلال المشاركة فى حملة «البطل المنقذ» للاستئثار بالمنصب الرئاسى الذى جيرت من أجله جميع طاقات المؤسسات الرسمية وأسهمت به المصالح الخاصة للنخب الاقتصادية والمالية المعادية دوما للديمقراطية.
عادت العقل حين استخدمت سياسات «الأذرع الإعلامية» ووظفت الإفك والأكاذيب والشائعات لإطلاق حملات التخوين والتشويه الممنهجة ضد المتمسكين بالعدل والحق والحرية، ولتمرير عصفها بسيادة القانون وقضائها على ضمانات العدالة والتقاضى العادل وصياغتها لمجموعة من القوانين والتعديلات القانونية الاستثنائية هى الأسوأ منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين، ولإنزال العقاب بمساحات المقاومة المتوقعة للسلطوية إن فى الجامعات التى عادت إليها القبضة الأمنية أو فى المدارس التى تفتح أبوابها لرعاة ودعاة الأمن الفكرى أو إزاء المنظمات الحقوقية وكيانات المجتمع المدنى المستقلة التى فرض عليها الحصار والتضييق والتهديد الدائم بالقمع والتعقب والقيود.
عادت العقل حين زينت لها أوهام الاستعلاء على المواطن والاستخفاف بمقتضيات نشر المعلومات والحقائق، تلك الأوهام التى لا تفارق السلطوية أبدا وبغض النظر عن زمان ومكان سطوتها على الشعوب، العودة إلى ممارسات بالية وشديدة التهافت هدفها نشر الرأى الواحد والصوت الواحد المتماهيين مع إرادة «البطل المنقذ» وحشد الناس لتأييده والامتناع عن مساءلته ومحاسبته، وهدفها أيضا تجديد دماء ثقافة الخوف من الفكر الحر والرأى الحر والتغريد بعيدا عن أسراب طيور الظلام وطلب التغيير لإنهاء الظلم والمظالم لكى يقضى على بدائل حكم الفرد وتبتذل الإمكانيات الفعلية للخروج من مأزق العسكرة إن بالإحالة إلى أحاديث «المؤامرات والمتآمرين» العبثية أو إلى قراءة قاصرة للأوضاع المأساوية فى الجوار الإقليمى (سوريا والعراق وليبيا، وسؤال «ألسنا أفضل حالا؟» الخاطئ) والتى تساءل عنها السلطوية قبل التدخل الخارجى وقبل إجرام عصابات الإرهاب.
عادت العقل حين سمحت لوطنية شوفينية أن تلغى قيمة العلم فى ترويجها «للاختراعات العلمية المدهشة وللإنجازات الكبرى»، أن تصنف الجوار العربى لمصر إلى عرب مانحين نسترضيهم وعرب فقراء لا حاجة لنا إليهم ولا داعى لتضامننا معهم، أن تقارب الغرب بثنائية مريضة جوهرها الخضوع والدونية من جهة وممارسات الاستعلاء اللفظى من جهة أخرى، أن تهلل لخطاب رسمى منزوع المعنى عن إصلاح دينى تديره الدولة ومؤسسات الأخيرة لم تتدخل فى شأن الدين إلا وأفسدته وأفسدها.
لكل ذلك، لا تتعجبوا من عبثية المشهد «الانتخابى» القادم، ولا من المصادرة على الدور التشريعى والرقابى المستقل للبرلمان قبل أن ينتخب بحديث «التأييد الدائم والظهير السياسى المضمون»، ولا من الهزل المبكى الذى يروجه الإعلام الحكومى والخاص ومازال بعض هواة استمراء تزييف الوعى أو تعذيب الذات بيننا يصرون على متابعته.
سينتصر العقل حتما.