الأبواب المواربة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 14 أكتوبر 2015 - 8:45 ص
بتوقيت القاهرة
يقع «حزب النور» الآن فى مرمى خصومه من الأحزاب والقوائم الأخرى، ويتعامل معه الخطاب الإعلامى مثلما كان يتعامل مع الإخوان المسلمين أيام حكم مبارك، من حيث نعتها بالجماعة المحظورة، بينما تجرى معها الاتفاقات والصفقات التى أوصلت ثمانية وثمانين عضوا منها إلى برلمان عام 2005م، بما لم تستطع كل الأحزاب القائمة آنذاك تحقيقه رغم معارضتها الناعمة للنظام، ولم تفلح حركة «كفاية» النشطة فى ذلك الحين فى إيصال عضو أو متعاطف أو محسوب عليها إلى مجلس الشعب.
الإشكالية دائما هى «الأبواب المواربة» فى السياسة، وتعنى عدم الحسم فى التوجه العام. ظهر حزب النور فى أعقاب ثورة 25 يناير، وإلى جواره أحزاب سلفية أخرى، رغم أن جمهوره كان يكفر السياسة، وينفر منها، ويلتزم بالدعوة، وطرح أعضاؤه آراء ورؤى جدلية، وأحيانا صادمة، وفرضوا آراءهم فى دستور 2013م، وجعلوا الإخوان المسلمين فى بعض الحالات يبدون أكثر اعتدالا منهم، أو هكذا كانوا يخاطبون العالم الخارجى، ويرسلون رسائل داخلية. ولكن فى الحقيقة كان للسلفيين مشروعهم الخاص، فقد انقلبوا على حكم الإخوان المسلمين، وكان لهم دورهم فى طرح ملف «أخونة الدولة»، بما لم تستطع قوى أخرى أن تقدمه، وانسحب حزب النور من تأييد الإخوان المسلمين فى ثورة 30 يونيو، لكنه ظهر فى مشهد 3 يوليو، مقدما الدعم للتحول السياسى، وما تلاه من خارطة طريق بدأت بوضع دستور، ثم انتخابات رئاسية، وأخيرا المشاركة فى الانتخابات البرلمانية بشروط القانون مما دفعهم إلى ترشيح نساء وأقباط على قوائمهم، معلنين خضوعا للقانون الذى ألزمهم بذلك، وإن لم يكن ذلك يوافق قناعاتهم التى يعلنونها صراحة.
هناك اليوم خوف أن يحصد حزب النور مقاعد برلمانية، وهناك توعية، وتحذير من ذلك فى الإعلام، ولكن السؤال لماذا ظهر وبقى وتصدر حزب النور مربع الإسلام السياسى الذى تعلن السلطة السياسية بانه لم يعد له مستقبل فى مصر؟ إنه منطق «الأبواب المواربة»، التى تجعل هناك حزبا إسلاميا قائما، حتى لو قال إنه مدنى، يحل محل الإخوان المسلمين وحلفاؤهم، ويملأ فراغا سياسيا، ويثير النقاشات والجدل والغبار فى الحياة العامة، ويوظف حين الضرورة فى تذكير الناس بخبرة التعامل مع الإسلام السياسى، ويُستخدم فى إدارة الصراع مع الفرق الإسلامية الأخرى.
فى تقديرى أن حزب النور سيحصل على نصيب ما فى البرلمان القادم، لا أعرف حجمه، وكل الأحاديث الإعلامية المحذرة لن تجدى كثيرا، لأن الهندسة السياسية العامة الآن تتطلب وجوده، وإن كانت لا تريد له التمدد، ولا استبعد أن يكون فى الأمر تفاهمات صريحة أو ضمنية حول حدود حركته، وهو ما يعنى أن السياسة لا تزال تفتقر إلى الحسم: إما أن تكون دولة مدنية لا تعرف أحزابا لها طابع دينى، بصرف النظر عن التسميات، وإما أن تكون دولة مفتوحة لكل اللاعبين السياسيين أيا كانت هويتهم، وهو ما يسميه الغرب «الاستيعاب». المسألة اختيارات سياسية فى المقام الأول لابد فيها الحسم، ولكن بقاء الأبواب المواربة لا ينشىء صيغا سياسية مستقرة.