جميع الخيارات المطروحة سيئة للغاية
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 14 أكتوبر 2015 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً للصحفية عميرة هاس؛ تصف فيه الأوضاع فى المقاطعات الفلسطينية وكيفية التنقل من مقاطعة لأخرى فى ظل التشديدات الأمنية، التى تشهدها تلك المقاطعات خاصة فى الوقت الحالى، وتتناول حال معظم الفلسطينيين الآن والغضب الموجود بسبب عدم استطاعتهم دخول القدس خاصة فى ضوء التجاهل الشديد الذى تتبعه السلطة الفلسطينية فيما يخص هذا الأمر. تبدأ هاس بوصف الأوضاع وأعمدة الدخان المتصاعدة من الإطارات المشتعلة، والرجال الملثمون الذين يختبئون وراء مكبات النفايات المقلوبة، وسيارات الإسعاف الموجودة على أهبة الاستعداد، وصوت إطلاق النار البعيد، وعشرات الرجال ممن يتابعون الأحداث من مكان قريب، دون وجود للنساء. وتقول أن هذا هو الطريق إلى نقطة تفتيش بيت إيل عند المدخل الشرقى لمدينة رام الله، والبيرة. فليس بوسع المارة رؤية الجنود، حيث يحجب المشهد منزلان قبل نقطة التفتيش.
كانت نقطة التفتيش مغلقة منذ يوم الأحد فى الأسبوع الماضى بسبب المظاهرات والاشتباكات المستمرة. وفى الأربعاء، جاء طلاب من جامعة بيرزيت للتعبير عن آرائهم برمى الحجارة والإطارات المشتعلة على بعد مئات الأمتار من الجنود. وواصلوا التظاهر فى الموقع مع غيرهم، حتى بعد أن تم القبض على ثلاثة من زملائهم على يد جنود سريين ــ عملية وصفتها وسائل الإعلام الفلسطينية بـ«اختطاف».
ووردت أنباء تفيد بأن واحدا من الثلاثة أصيب إصابة خطيرة برصاصة فى الرأس. وأصيب ثمانية آخرون على الأقل بجروح أيضا نتيجة نيران قوات الدفاع الإسرائيلية ونقل على إثرها إلى المستشفى.
***
منذ الانتفاضة الثانية، كان هذا المعبر يتم إغلاقه أمام عشرات الآلاف من الفلسطينيين للتأكد من أن مئات من المستوطنين من بيت ايل يتمتعون بالراحة فى السفر ــ ما عدا كبار الشخصيات وكبار الموظفين فى السلطة الفلسطينية، وكبار المسئولين من المنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين والصحفيين الأجانب. وفى الآونة الأخيرة، تم تخفيف هذه القيود قليلاً بحيث يستطيع أى شخص دخول رام الله عبر حاجز، على الرغم من أن القيود المفروضة على الخروج ظلت سارية المفعول. ولكن منذ يوم الاثنين، تم إغلاقه حتى أمام الحالات الخاصة المذكورة بسبب المظاهرات المتواصلة والاشتباكات.
وتضيف هاس أنه خلال فترات التوتر السابقة ــ على سبيل المثال، أثناء حرب العام الماضى فى غزة ــ لم يتم إغلاق الحاجز، لأن الأجهزة الأمنية فى السلطة الفلسطينية منعت المتظاهرين من الاقتراب منه. ولكن الآن، لم يعد أفراد الأمن فى السلطة الفلسطينية موجودين. وبدلاً من ذلك، ينتشرون فى منطقة غير بعيدة، حول منزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والطريق المحاذى له، المؤدى إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية فى الضفة الغربية («الحكومة الحقيقية»، كما يقول الفلسطينيون). وهناك، لا يسمح بالتظاهر.
ومن بين جميع المقاطعات التى تشكل المنطقة (أ)؛ يعد قطاع غزة هو الخاضع بالكامل لسيطرة السلطة الفلسطينية، كانت مقاطعة رام الله الأكثر عزلة بسبب الاشتباكات ــ حيث تعتبر رام الله، العاصمة غير الرسمية، المدينة التى تتفقدها باستمرار الدول المانحة حتى يشاهدون إنجازات السلطة الفلسطينية. بينما تحدث المظاهرات والاشتباكات بشكل متكرر فى كل المخارج المؤدية إلى المنطقة (ج) شرقا (تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة) والقدس ــ قلنديا، بيت ايل، مخيم الجلزون وعطارة. وبالتالى يجب أن يتخذ المسافرون الطرق الالتفافية للدخول إليها أو الخروج منها.
وتجذب الحواجز والقواعد العسكرية الإسرائيلية فى المنطقة «أ» المتظاهرون لأنها ترمز إلى كل من توسيع المستوطنات التى تدفع الفلسطينيين فى مقاطعات، كما ترمز للقيود المفروضة على حركة الفلسطينيين، لكن حاجز بيت ايل هو رمز الثلاثى ــ المستوطنات والقيود المفروضة على الحركة وأيضا السلطة الفلسطينية، الذى يمكن أن يمر منه كبار المسئولين فيها وأصدقائهم والمؤيدون الدبلوماسيون لها، وقد اعتادوا على امتيازات إضافية تتيحها إسرائيل لهم.
وتوضح هاس أن الاشتباكات هنا غير مؤثرة، وفى الأماكن الأخرى، على المستوطنات. لكنها فقط تشدد القيود الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين. وإذا كان لها أى تأثير، فسيكون على السلطة الفلسطينية الهشة بالفعل، وحركة فتح المتداعية، المصابة بالفصام.
***
يعتبر المتظاهرون الذين يخاطرون بحياتهم، مجموعة مؤثرة من الشبان، ولكنها صغيرة وغير منظمة. بينما، فى بداية الانتفاضة الثانية، كان المتظاهرون من جميع الأعمار ومن كلا الجنسين. ولا شك أن بعض المتظاهرين متأثرين بحماس والجهاد الإسلامى. وليس من المستغرب أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، التى يرأسها عباس أيضا، تريد الآن استئناف المحادثات مع حماس فى غزة للتوصل إلى موقف موحد. لكن حماس ليست حريصة على إنقاذ هيبة منظمة التحرير الفلسطينية.
وتشير هاس إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية تعاود الآن الحديث عن عقد برلمانها، المجلس الوطنى الفلسطينى الذى تم تأجيل انعقاده فى البداية لأن فتح والمنظمات الأخرى المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية عارضت السماح لعباس بعقد اجتماعه. وإلى أن يحدث ذلك، فلن يستطيع عباس، كما هو الحال فى أى وقت مضى، منع الشباب من الذهاب إلى نقاط التفتيش للاشتباك مع الجنود.
والواقع، أن كل فلسطينى يصاب بنيران الجيش الإسرائيلى، وكل الشائعات ــ حقيقية أم لا ــ عن الوفيات، تزيد الاشتعال فى الأراضى الفلسطينية. لكن فتح «حركة الشعب» غائبة. ومن المؤكد أن هذا الموقف سوف يحسب عليها.
كما أن المتظاهرين الذين يخاطرون بحياتهم هم الطلاب الذين يعرفون أن فرصهم ضئيلة فى العثور على عمل، أو العاطلون عن العمل، من القرويين وسكان مخيمات اللاجئين الساخطين بسبب الفوارق الطبقية الصارخة، خصوصا فى رام الله، ولكن القدس والمسجد الأقصى هما ما يعطى الاشتباكات معنى. وقد تبين أن القدس عامل حاسم، حيث يعتبر الوضع الاجتماعى والاقتصادى والنفسى فى القدس؛ هو الأسوأ بين بقية المناطق الفلسطينية الأخرى، فلا يستطيع معظم سكان الضفة الغربية دخولها، وقد تنازلت عنها السلطة الفلسطينية واقعيا (ولكن ليس بشكل معلن).
وتختتم هاس المقال موضحة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين، إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، يتصرفون الآن باعتبارهم قوى زائدة: فهم لا يشاركون فى الاشتباكات ولا يحاولون قمعها. وتريد الجماهير تغيير الوضع، ولكنها أيضا تخشى التغيير، لأنها ليس لديها قيادة تقود المرحلة وتتخذ القرارات.
كما يعتمد الفلسطينيون على السلطة الفلسطينية، ولكن يريدون حلها وتفكيكها، ولكن الخوف من الفوضى التى قد تنشأ عن غياب قوة الشرطة. ولا شك أن جميع الخيارات المطروحة حاليا مخيفة بالنسبة لهم.