الذكاء العاطفى فى البيئة التعليمية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 14 أكتوبر 2024 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

فى عالم التعليم المعاصر، لم يعد النجاح التعليمى المعيار الوحيد للتفوق، بل أصبح من الضرورى تعزيز القدرات العاطفية والاجتماعية، التى تلعب دورًا محوريًا فى تحقيق التميز. فى هذا الإطار، يظهر الذكاء العاطفى عنصرًا أساسيًا فى العملية التعليمية، حيث يسعى إلى تعزيز قدرة الأفراد على التعرف على مشاعرهم وإدارتها بفعالية. تسهم هذه القدرات فى تحسين التفاعل الإيجابى بين الطلاب والمعلمين، ما يعزز بيئة تعليمية قائمة على التعاون والتفاهم. إن الذكاء العاطفى أصبح ضرورة استراتيجية، تؤثر بشكل إيجابى على نتائج الطلاب فى مجالات التعلم والنمو الشخصى.
تشير العديد من الدراسات إلى أن الذكاء العاطفى يمثل عاملًا حاسمًا فى تحسين التحصيل الدراسى. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة ييل الأمريكية أن الطلاب الذين تلقوا تدريبًا على مهارات الذكاء العاطفى حققوا تفوقًا تعليميًا، حيث ارتفعت درجاتهم التعليمية بنسبة تصل إلى 11%. وقد أسهمت مهارات التحكم فى التوتر وإدارة المشاعر فى تعزيز تركيزهم وزيادة إنتاجيتهم فى الفصول الدراسية.
من جهة أخرى، تعتبر تجربة برنامجRULER، الذى تم تطبيقه فى العديد من المدارس الأمريكية، نموذجًا رائدًا فى هذا المجال. فقد أظهرت نتائج البرنامج أن 93% من المعلمين المشاركين أبدوا تحسنًا فى فهمهم لكيفية تدريس المهارات العاطفية، بينما أظهر الطلاب تطورًا ملحوظًا فى سلوكياتهم الاجتماعية؛ مثل حل النزاعات وبناء علاقات إيجابية.
تتجاوز أهمية الذكاء العاطفى التحصيل الدراسى لتشمل أيضًا تعزيز الصحة النفسية للطلاب والمعلمين. عندما يتمكن الطلاب من التعبير عن مشاعرهم وفهمها، تنخفض مستويات التوتر والقلق، مما يؤدى إلى خلق بيئة تعليمية أكثر توازنًا. وتشير الأبحاث إلى أن 70% من المعلمين يرون أن تعزيز الذكاء العاطفى يحسن المناخ التعليمى، مما يسهم فى تقليل السلوكيات السلبية.
التجارب العالمية تؤكد أهمية دمج الذكاء العاطفى فى المناهج الدراسية. فى فنلندا، تم دمج المهارات العاطفية والاجتماعية فى برامج التعليم منذ سنوات، ما أدى إلى تحسن ملحوظ فى مستوى التعاون بين الطلاب وانخفاض نسبة التنمر بنسبة تصل إلى 30%. وفى كندا، ساهمت برامج تدريب المعلمين فى تطوير مهاراتهم فى الذكاء العاطفى، مما حسّن جودة التعليم بشكل عام وجعل الفصول الدراسية مكانًا أكثر إيجابية للجميع.
لتعزيز الذكاء العاطفى فى التعليم، يجب اتخاذ خطوات ملموسة تبدأ بدمج هذا المفهوم فى المناهج الدراسية رسميًا، ليتعلم الطلاب كيفية التعامل مع مشاعرهم منذ المراحل الأولى. كذلك، من الضرورى تقديم برامج تدريبية للمعلمين لتمكينهم من استخدام هذه المهارات بفعالية فى إدارة الفصول الدراسية. إضافة إلى ذلك، يجب تطوير أدوات لتقييم الذكاء العاطفى بالتوازى مع أساليب التقييم التقليدية، لضمان تنمية هذه المهارات بشكل منهجى ومستدام.
رغم الفوائد العديدة للذكاء العاطفى فى التعليم، هناك تحديات تعترض تنفيذه على نطاق واسع. من أبرز هذه التحديات نقص الوعى بأهمية هذا المفهوم فى بعض الأنظمة التعليمية التى تركز بشكل كبير على التحصيل الأكاديمى. كما تتطلب برامج تدريب المعلمين وتمويل تطوير المناهج موارد مالية كبيرة، مما قد يشكل عقبة لبعض المدارس. وأخيرًا، تظل قياسات نجاح هذه البرامج مسألة معقدة، حيث يصعب تقييم النتائج غير الملموسة المتعلقة بالنمو العاطفى والاجتماعى للطلاب.
فى الختام، يُعتبر الذكاء العاطفى عنصرًا حيويًا فى تطوير التعليم الحديث. إذا تم تطبيقه بفاعلية، فإنه سيتجاوز دور التعليم كوسيلة لنقل المعرفة ليصبح أداة فعالة فى بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات الحياة. تثبت التجارب الناجحة، مثل برنامج RULER، والتجارب فى فنلندا وكندا، أن الذكاء العاطفى ليس مجرد مفهوم نظرى بل واقع يمكن تطبيقه بنجاح فى الفصول الدراسية، ما يسهم فى تعزيز البيئة التعليمية وتحقيق نتائج إيجابية شاملة ومستدامة.
مصلح الحارثى

جريدة عكاظ السعودية

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved