علاء والثورة فى مواجهة إعادة تدوير الاستبداد


عاطف شحات

آخر تحديث: الإثنين 14 نوفمبر 2011 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

قد يقول قائل: لقد حولتوها إلى قضية شخصية بحديثكم المستمر عن علاء عبدالفتاح. الرد الأول على ذلك انها ليست قضية شخصية، وهذا ما بدأه علاء نفسه عندما أعلن أن قضيته هى قضية كل المدنيين أمام القضاء العسكرى. والرد الثانى هو أن الشخصى والسياسى يرتبطان، ليس فقط لأن نشطاء وثوارا أصبحوا عرضة للاستهداف الشخصى، ومنهم من تم خطفه ومنهم من تم مصادرة أو منع آرائه، وأخيرا وليس آخر لقد أصبح النشطاء والكتاب الآن عرضة للسجن بقضايا مُلفقة، فهل عاد التلفيق؟ وأيضا نتساءل: هل كانت كراهية مبارك مسألة شخصية؟ ألم يهتف المصريون لسنوات طويلة ضد مبارك وبسبه شخصيا ردا على سبهم والتنكيل بهم وكرامتهم بشكل يومى لمدة عقود؟ وأقول ربما تكون شخصنة الأمور مفيدة ليس فقط لجلب التعاطف حينما يغيب التعاطف وحينما بدأنا نشاهد تصاعد لخطاب من الكراهية والتحريض لم نرها منذ ايام الثورة.

 

 وربما «نشخصن» الأمور حينما يتعامل أصحاب القرار بطريقة غير مفهومة لا تفسير لها سوى أنهم أنفسهم يجعلونها مسألة شخصية.

 

 فطالما سمعنا من قبل انه «كله الا شتيمة الرئيس» وسمعنا من علاء نفسه أنه طلب منه ألا يشتم المشير وهو ما يؤكد ضعف قضيته واختلاقها للتكنيل به. لقد جعل هؤلاء الحاكم أبا فوق المحاسبة، وبسطحية وابتزاز سخيف تساءلوا: هل من اللائق أن تشتم ابيك. ورد عليهم الثوار: إن ابى لا يهيننى ولا يسجننى ولا يبتزنى بأبويته ولا يسرق. لقد قام الشعب المصرى بثورته العظيمة من أجل بناء مجتمع الحرية وضد هذا الابتزاز الأبوى والسطحية المغموسة بالقمع.

 

هل هذه قراءة شخصية اذا قلت إن سجانى علاء لم يشتركوا معه ومع أسرته العظيمة فى مسيرات ووقفات الاحتجاجات ضد التعذيب، فى السيدة زينب وفى التحرير وأمام وزارة الداخلية فى لاظوغلى. وأن هؤلاء لم يقوموا بمقاومة استبداد وجبروت وتخريب آلات فساد وقمع مبارك، مثلما قام بها علاء وأسرته وكثير من النشطاء والثوار، شبابا وعجائر، مثل الدكتور عبدالوهاب المسيرى مثلا، واستمروا فى نضالهم برغم تكرار الضربات الأمنية لهم فى منازلهم وفى أعمالهم. القائمون على الأمر لا يسجنون علاء وزملاءه من المدنيين فقط الآن، ويغضون النظر عن التحريض المنهجى ضد الثوار فى وسائل الإعلام ولا عن مناخ الاستعداء العام للثورة، بل ويعيدون تدوير الاستبداد والتبعية بإعادة استخدام البلطجة والتعذيب واستخدام الحيل والأساليب الأمنية فى التعامل مع المواطنين وامتهان كرامتهم. فقد أصبحنا نسمع مرة اخرى عن خطف النشطاء وعن القتل بالأقسام أو السجون، وشاهدنا من يوسع المواطنين ضربا وهم مكبلون بعد أن تم القبض عليهم. لا يوجد تفسير لضرب انسان وهو مكبل سوى المرض النفسى أو الرغبة الصريحة فى الانتقام. لكن انتقاما من ماذا؟ هل يعاقب هؤلاء الشعب على ثورته العظيمة ورغبته فى العيش بكرامة؟ ووفقا للكثير من الحقوقيين والنشطاء فإنه بينما اعتاد رجال الشرطة قبل الثورة تهديد المواطنين بالاعتقال وفقا لقانون الطوارئ فى حالة اعتراضهم على مسلك رجال الأمن معهم، قد تطور الأمر ليصبح الأن هو التهديد بالتحويل للنيابة العسكرية. هل هذا ما يرتضيه ويريده من استأمناهم على ثورتنا؟ ولا أكون مبالغا إذا قلت إن طريقة تعامل المجلس الأعلى والحكومة مع الحوادث المتكررة لقتل أو تعذيب المواطنين من قبل الأجهزة الأمنية لا تختلف بأى حال عن طريقة تعامل نظام مبارك معها. سكوت القائمين على الأمر عن هذه الجرائم ليس له تفسير سوى مباركتهم لها. والأخطر من سكوت هؤلاء هو صمت النخب والأحزاب.

 

•••

 

بالطبع هناك تفسيرات كثيرة لاحتلال قضية سجن علاء عبدالفتاح وزملائه هذه الأهمية. منها مثلا أن علاء قد تعامل بمبدأية لم يقابلها كثير من أبناء النخبة بمثلها، عندما اختاروا الصمت فى قضية إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية. وهو بهذا يضعنا أمام المحك بحيث يجب أن ينطق كل سياسى وحقوقى وصاحب ضمير حى بقول الحق الآن فى هذه المسألة. اقل ما يمكن أن يوصف به سكوت بعض النخب والأحزاب عن قضية محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى هو أنه مُخزٍ. ايضا تزامنت قضية علاء مع تصاعد الهجوم على النشطاء، وحدثت بعد مذبحة حملت بعض الأبعاد الطائفية، واتجهت اصابع الاهتمام لافراد من القوات المسلحة، وأعقب ذلك ليس فقط محاولة إلباس التهمة للضحية والنشطاء بدلا من عمل تحقيق جدى محايد، لكن أيضا قرأنا بأنفسنا مخططا للانقلاب على مستقبل الديمقراطية فى مصر فيما يعرف بوثيقة المبادئ الفوق الدستورية. تجعل الوثيقة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس فقط رقيبا على الديمقراطية والدستورية فى مصر بلا انتخاب، بل وتحرم الشعب من حقه فى مناقشة أجزاء من ميزانيته، ولو حتى عن طريق ممثليه المُنتخبين. قد يقول قائل إن ميزانيات الجيش تتسم بالسرية فى كثير من دول العالم. ونرد على هذا الكلام بأن هناك لجانا للأمن القومى فى مجالس منتخبة تراقب هذه الميزانيات.

 

 والمفارقة أن ميزانية الجيش كانت معلنة ايام الملك وقبل ثورة يوليو 1952. فهل نكون أسوأ حالا من عصر الملك، بعد ثورة طالبت بالحرية والشفافية؟ وقد نشر مؤخرا تقرير لمنظمة العفو الدولية عن تكاليف شراء أسلحة وذخيرة قامت بها مصر من عام 2005 وحتى عام 2010 وقد وصلت هذه التكاليف إلى مبلغ 423 مليونا و600 ألف يورو وهو ما يعادل 3 مليارات و473 ألف جنيه مصرى. معظم هذه الاسلحة كانت تستخدم لقمع الشعب المصرى. وفى ظل دمج مخصصات وزارتى الداخلية والجيش فى الموازنة العامة فإن لدينا ما يبرر قلقنا من السرية. فغياب الشفافية تُنبت الاستبداد والفساد.

 

•••

 

قامت الثورة ليست فقط من أجل الكرامة ولكن من أجل استعادة ارادة الشعب. الشعب المصرى لا يستجدى من أحد مطالبه بالكرامة. تحقيق الأمن والقانون وانتهاء عصر قتل الابرياء وتلفيق القضايا كان فى قلب أهداف ثورة الشعب العظيمة. علاء ورفاقه يطلبون وقف المحاكمات المدنية للمدنيين، وهذا ليس منحة من أحد لكنه مطلب من مطالب الثورة.

 

 سكوت بعض النخب والأحزاب عن تصاعد التحريض ضد الثورة والثوار وقضية محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية فى هذا الوقت ليس له معنى سوى التورط فى مخطط الانقلاب على الثورة والديمقراطية فى مصر. يخطئ هؤلاء إذا توهموا أن اعادة تدوير الاستبداد بالتحريض والتلفيق سينجحون فى الحفاظ على الحفاظ على آليات ومصالح دولة مبارك، فلقد فشل التحريض والتعذيب وارهاب النشطاء وسجنهم من قبل. لقد سقطت المباركية عندما أراد شعب مصر ذلك ولن يستطيع احد أن يقف أمام إرادة شعب مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved