من يحتاج لشرطة الآداب؟
ريم سعد
آخر تحديث:
الأحد 14 ديسمبر 2014 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
لم يكن هجوم الشرطة على الحمام الشعبى العام بالفجالة والقبض على رواده بدعوى كونه «وكرا للشذوذ والجنس الجماعى» حدثا فريدا، وإن كان قد حظى باهتمام كبير نتيجة لملابسات المداهمة. أثار هذا الحدث بالذات ضجة واستنكار شديدين بسبب التورط السافر للإعلام فى صياغة الحدث وليس فقط صياغة الخبر واختفاء الخط الفاصل بين الصحفى الباحث عن الحقيقة وبين مرشد الشرطة. انتفض الإعلاميون والصحفيون وغضبوا عن حق لامتهان مهنتهم التى هى أصلا فى محنة فكان التفاخر باختفاء الخط الفاصل بين الباحث والمباحث هو القشة التى قصمت ظهر البعير، ونالت منى عراقى مقدمة برنامج «المستخبى» على قناة القاهرة والناس النصيب الأكبر من الهجوم المستحق تماما.
•••
فلننتهز فرصة الضجة التى سببتها الجريمة الإعلامية من أجل تسليط الضوء على الموضوع الأساس، وهو تغول سلطات شرطة الآداب وانتهاكها المستمر والمتزايد لحرمات المواطنين وخصوصياتهم وحقوقهم الشخصية مُنَصِبة نفسها المرجع الأعلى لتحديد ما هو لائق وطبيعى بصرف النظر عن أى اعتبارات قانونية أو دستورية تتعلق بالحرية الشخصية للمواطنين وحرمة الحياة الخاصة. فكأن شرطة الآداب هى الذراع الأمنى لهوس الأخلاق الحميدة، الذى تعتمده أجهزة الدولة كوسيلة حكم وتحكم ويباركه قطاع كبير من المجتمع. تتمدد صلاحيات هذا القطاع لتشمل تقريبا كل نواحى الحياة الاجتماعية من مداهمة حمام شعبى عام وتفسير ما يحدث بداخله على أنه شذوذ وحفلات جنس جماعى إلى «ضبط» وتكدير شاب وفتاة يتمشيان على الكورنيش.
وفى الوقت الذى تملأ فيه أخبار إنجازات شرطة الآداب صفحات الحوادث وأحيانا الصفحات الأولى لبعض الإصدارات الفضائحية تعيش البلاد وضعا أمنيا غاية فى الصعوبة من سرقة سيارات يدفع أصحابها صاغرين فدية لاستعادتها، كما تنصحهم الشرطة أو خطف أطفال يعود قليلهم إلى أهله لو دفعوا الفدية أو سرقة بالإكراه فى عز الظهر فى قلب العاصمة إلى الكوارث المرورية الناتجة عن الانعدام التام للرقابة على المرور والطرق ولا أثر لأى مجهود شرطى للتعامل مع تلك المصائب الأمنية الحقيقية وغيرها. وسط كل ذلك يبدو وكأن شرطة الآداب هى وحدها التى تعمل بهمة ونشاط وترصد لها جميع الموارد المطلوبة.
•••
ما الذى يريده المواطن من الشرطة غير حفظ الأمن؟ وهل يشعر أى مواطن أنه أكثر أمنا بسبب وجود شرطة الآداب؟ من حقنا أن نسأل وأن نحصل على إجابة حول ميزانية ذلك القطاع وكم الموارد التى يتم توجيهها إلى أنشطتها، وأن نتساءل عن الكيفية التى تدير بها وزارة الداخلية مواردها. نريد أن نعرف حجم المصروفات والأفراد والوقت والموارد الأخرى التى يتم توجيهها لمداهمة حمام شعبى أو شقة سكنية بقصد ضبط «عاطل وربة منزل» أو شاب وفتاة يقفان معا على الكوبرى أو على كورنيش النيل. بالمقابل ما الموارد التى توجه نحو استعادة الأطفال المخطوفين وحراسة الأحياء السكنية وتدعيم شرطة النجدة وغيرها مما يحتاجه المواطنون بشدة، وما يتعلق بأمنهم بشكل مباشر وعاجل؟
شرطة الآداب تستنزف الموارد ولا تساهم فى حفظ الأمن والمستفيد الوحيد منها على ما يبدو هى الصحافة الصفراء. لماذا لا يتم إلغاؤها وتحويل مواردها إلى قطاعات أخرى تتعامل مع الاحتياجات الأمنية الأكثر إلحاحا؟ السؤال الأهم ربما هو من أين أتى حراس الفضيلة بكل تلك السطوة، وكيف يمكن حماية حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة أذرع للحكم تتحكم فى أدق خصوصياتهم وتعتبر نفسها فوق المساءلة.