كيف تباعد عقلانية المجال العام فى الغرب بين الجاليات العربية والإسلامية وبين التورط فى مقولات الثأر والانتقام والمؤامرة؟

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الخميس 15 يناير 2015 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

بعيدا عن شىء من الضجيج الفاسد الذى تنتجه حركات وشبكات عنصرية أوروبية ويتجه إلى عموم العرب والمسلمين متهما بجهل وكراهية الدين الإسلامى بالتطرف والمنتمين إليه بالنزوع للعنف والتورط فى الإجرام الإرهابى، لم يفقد المجال العام فى فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية والغربية توازنه الذى يحول بين الناس وبين الانزلاق إلى التأييد الواسع لمثل هذه الأفكار العنصرية، ولم يتنازل أيضا عن عقلانيته الرافضة لاصطناع علاقات ارتباط متوهمة بين الدين والهوية الدينية وبين القابلية للعنف ولا عن تعدديته التى تمكن من المزاوجة بين ثلاثة مواقف مبدئية: هى إدانة الإرهاب القاطعة، والتمسك بحرية الإبداع والفكر والتعبير عن الرأى، والدفاع عن سلمية المجتمع وحقوق الإنسان وقيم المواطنة وسيادة القانون للجميع دون تمييز على أساس من الدين أو المذهب أو العرق ودون استساغة لإطلاق الاتهامات عن الجاليات العربية والإسلامية المقيمة فى أوروبا والترويج لكراهية هدفها إخضاعهم للعقاب الجماعى إن بالتعقب أو تقييد الحرية أو التهميش أو الإبعاد والطرد والتجريد من المواطنة.

وكأطراف مشاركة فى مجال عام متوازن وعقلانى وتعددى، تسجل الجاليات العربية والإسلامية فى فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية والغربية، بجانب إدانتها القاطعة للإرهاب ونفيها عن هويتها الدينية ووجودها المجتمعى الاتهام بالتطرف والقابلية للعنف، تمسكها بالحرية ودفاعها عن السلمية وحقوق الإنسان وقيم المواطنة ورغبتها فى مواصلة الحياة دون الخروج على سيادة القانون.

وفى مواجهة المجموعات الصغيرة والأصوات المحدودة التى تشذ عن إجماع الجاليات العربية والإسلامية لتبرر القتل والإجرام الإرهابى باستدعاء زائف للدين وادعاء انتصارات وهمية للرموز والقيم الدينية أو بالإشارة إلى جرائم الغرب المتراكمة فى بلداننا والربط بينها وبين الإرهاب بصيغ سببية منزوعة العقل والإنسانية أو بتوظيف باطل لإجرام إسرائيل المؤيدة من الغرب والتى لم تتوقف منذ القرن الماضى عن القتل والاحتلال والاستيطان والحصار وإرهاب الدولة كمبرر لقتل الأوروبيين والغربيين وذبح «اليهود» أينما وجدوا، فى مواجهة ذلك يسجل الحراك الراهن للعرب والمسلمين فى فرنسا وغيرها من البلدان وعيا كاسحا بفساد هذه المبررات جميعا، وإدراكا عقليا وإنسانيا وقيميا راقيا لضرورة الدفاع السلمى عن قناعاتهم الدينية وقضايا العالم العربى والإسلامى والمطالبة برفع المظالم عن الشعب الفلسطينى ومحاسبة مجرمى الحرب الإسرائيليين دون نسيان لإلزامية مبادئ الحرية والحق فى الاختلاف ودون تورط فى النزوع المريض للثأر والانتقام من الغرب وإسرائيل بقتل الأبرياء فى المدن الأمريكية والأوروبية – من 11 سبتمبر 2001 إلى 8 يناير 2015.

لكل ذلك، ليس بغريب أن نرى مشاركة كثيفة للمنتمين للجاليات العربية والإسلامية فى مسيرات إدانة الإرهاب والدفاع عن الحرية التى شهدتها خلال الأيام الماضية فرنسا وألمانيا وغيرهما من البلدان الأوروبية، ولا أن نرى بعض العرب والمسلمين وهم يحملون لافتات كتب عليها «أنا يهودى»، دفاعا عن حق المواطنين والمقيمين اليهود فى الوجود والحياة الآمنة شأنهم شأن غيرهم، بعد أن تكررت الأعمال العدائية ضدهم وأسقط منهم الإرهاب أربعة مواطنين فرنسيين فى الأحداث الأخيرة وتزايدت معدلات «هجرتهم» إلى إسرائيل (فى 2014، غادر 7000 يهودى فرنسى إلى إسرائيل ومثلوا للمرة الأولى الشريحة الأكبر من المهاجرين اليهود)، ولا أن نرى الكثير من الفرنسيين والألمان وهم يواجهون بسلمية مظاهرات الحركات العنصرية محدودة العدد ويتحدون علنيا كراهية الآخر ويرفضون التطرف المضاد بلافتات مختلفة مثل «أنا أحمد» وغيرها.

لكل ذلك، تبدو اليوم الجاليات العربية والإسلامية فى البلدان الأوروبية والغربية «محصنة» ضد التبرير الفاسد للإرهاب والعنف والتطرف وضد الترويج للثأر والانتقام من الغرب وإسرائيل بقتل الأبرياء وضد مواجهة الأفكار العنصرية بمقولات المؤامرة الكونية على العرب والمسلمين، وتبهر قدرتها الجماعية على الانتصار للحرية ولحقوق الإنسان ولقيم المواطنة للجميع دون أن تتجاهل الدفاع عن دينها وقضايا العالم العربى والإسلامى بسلمية وباعتراف بالحق فى الاختلاف ودون أن تمتنع عن المشاركة فى النقاش الموضوعى حول الأسباب المجتمعية لقابلية بعض المنتمين إليها للتورط فى الإجرام الإرهابى المعولم والذى يسقط فى بلادنا نحن من الضحايا أضعاف من يسقطون فى الغرب. فى 2015 كما فى 2001، تبتعد الجاليات العربية والإسلامية عن التبرير الفاسد للإرهاب ومقولات الثأر والانتقام والمؤامرة المتوهمة، وتتركها لنا نحن بمجالنا العام الفاقد للتوازن والعقلانية والتعددية.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved