الانتصارات والانتكاسات فى طريق نضال المرأة الخليجية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 15 يناير 2018 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة «The Middle East Research and Information Project» دراسة للباحثين أندرو ليبر ــ باحث دكتوراه فى جامعة هارفارد، وشارلوت ليزا ــ باحثة دكتوراه فى قسم الدراسات الثقافية واللغات الشرقية جامعة أوسلوــ، واللذين يتناولان التطورات الأخيرة بشأن حقوق المرأة فى السعودية مقارنة بحقوق المرأة فى دول الخليج الأخرى خاصة الكويت وقطر، فضلا عن الانتصارات والانتكاسات فى طريق نضال المرأة للحصول على حقوقها فى المجالات المختلفة.

فى البداية يتناول الباحثان التطورات الأخيرة فى السعودية بشأن قضايا المرأة مما يطرح الكثير من التعليقات حول الأحداث على مدى السنوات القليلة الماضية، ومن تلك التطورات: مشاركة المرأة لأول مرة بالتصويت فى الانتخابات، فضلا عن إحياء مطربات لحفلات فنية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وقد حصل كل خبر من تلك الأخبار على حقه فى المانشيتات الرئيسية.

يبدو أن الحكام فى دول الخليج العربى، بما فى ذلك المملكة العربية السعودية، يدركون جيدا ضرورة تسليط الضوء على قوة هذه «الأولويات» التاريخية التى يبدو أن قوة إحداث التغيير فيها مستمدة من توقيع المرسوم الأخير فى سبتمبر الماضى، وسرعان ما حذرت وزارة الداخلية السعودية النشطاء من الحديث إلى الصحافة حول أى دور لهم فى إنهاء حظر القيادة، والقول بأن كل هذه التغييرات مدفوعة فقط برغبة الملوك فى التحديث وخاصة الأمير محمد بن سلمان.

ويشير الباحثان إلى تعليق الناشطة السعودية هالة الدوسرى على قضية «السماح للمرأة بالقيادة»، حيث أوضحت: «أنه من أجل الحصول على دعم القوى الدولية وإرضائها تحتاج الحكومة السعودية إلى تغيير مواقفها من قضايا معينة، ولكن ليس لدرجة إحداث تحولات فى بنية نظام الحكم». وعلى الرغم من أن النسخة الخليجية من «نسوية الدولة» فى تطور مستمر، إلا أن الحكام فى السعودية يبدو أنهم غير راغبين فى التعاون مع هؤلاء الناشطات السعوديات اللاتى جعلن قضية المرأة مصدر إحراج دولى للمملكة على مر السنين: مثل منال الشريف، ولوجين الهذلول، وميساء العمودى، وإيمان النفجان، اللاتى قمن جميعا بتصوير أنفسهن مرارا وتكرارا أثناء قيادة سياراتهن منذ عام 2011، وكذلك عائشة المانع وفوزية البكر اللاتى انضمتا إلى 45 سيدة أخرى يقدن السيارات فى وسط الرياض منذ عام 1990.

وبالرغم من ثروتها الهائلة، نجد أن السعودية تنضم إلى الدول العربية الملكية فى الخليج فى الثلث الأدنى فى مؤشر الفجوة بين الجنسين فى المنتدى الاقتصادى العالمى، والقيود على «قوانين الوصاية» التى تحد من حق المرأة فى حرية الحركة والطلاق وحضانة الأطفال. تشكل النساء نحو ثلث القوى العاملة فى السعودية، ويندر وجودهن فى المناصب العليا، وكذلك فى عمان وقطر. وفى الوقت نفسه، تمت الإشارة إلى تقييد حرية التنقل للمرأة، وعدم وجود برامج التربية الرياضية فى المدارس. وأشارت الدوسرى، إلى أنه قد سادت الإحباطات مع بطء وتيرة التقدم فى مجال حقوق المرأة فى المنطقة.

وفى محاولة لدراسة تاريخ النشاط النسوى والحركات الاجتماعية فى السعودية، فإن التجارب الأخرى فى دول الخليج العربى من الممكن أن توضح الرؤية بعض الشىء. نجد على سبيل المثال «واورتيو»، وهى منظمة كويتية تتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجى لتصوير أكثر من 130 مقابلة مع النساء، فى محاولة لخلق معرفة مشتركة عن التطورات فى قضايا المرأة فى المنطقة. على الرغم من أهمية دراسات الحالة التى أجريت على دولة واحدة، مثل دراسة (مضاوى الرشيد)، عن الدولة الأكثر ذكورية إلا أنه لا يوجد سوى عدد ضئيل من الدراسات المقارنة التى تسعى لدراسة التباين بين دول مجلس التعاون الخليجى لإيجاد رؤى حول الجوانب الجندرية للتغيرات السياسية والاجتماعية.

• التغيير السياسى فى الكويت

يضيف الباحثان أنه قبل عقد من الزمن من حصول المرأة السعودية على حق التصويت والترشح فى انتخابات المجالس البلدية فى المملكة، ظهرت المانشيتات العالمية التى تتناول إلغاء قانون منح المرأة حق الاقتراع فى الجمعية الوطنية المنتخبة فى البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن وجود برلمان قوى منتخب يتناقض بشكل حاد مع النظام السياسى السعودى المغلق.

منذ عقود طويلة، شكلت الجماعات النسائية وحلفاؤها ضغطا على النظام الكويتى من أجل توسيع نطاق الحقوق السياسية، والعمل مع البرلمان المنتخب بقدر الإمكان. حتى قبل أن تبدأ الناشطة البارزة نورية السعدانى فى المطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية فى السبعينيات، قامت النساء الكويتيات بالضغط من أجل مشاركة اجتماعية وسياسية أكبر، من خلال منظمات مثل جمعية تنمية المرأة العربية، والجمعية الثقافية والاجتماعية للمرأة، وعلى الرغم من الادعاءات بأن الحكومة الكويتية والمنظمات النسائية الإسلامية الموازية قد اختارت هذه المنظمات وعملت على تهميشها بحلول منتصف التسعينيات، فإن الاحتلال العراقى للكويت فى الفترة 1990ــ1991 مهد الطريق أمام ضغط متزايد للمرأة لضمان حقها فى التصويت.

وأثناء الاحتلال، قامت الناشطات اللواتى لهن علاقات جيدة بالضغط على الحكومات الخارجية بالنيابة عن البلد للتدخل وتنظيم الاحتجاجات. ولدى عودته من المنفى اعترف الأمير جابر الأحمد الصباح علنا «بالدور الأسمى والمشرق الذى اضطلعت به المرأة أثناء الاحتلال»، فى حين أشار ولى العهد الكويتى إلى أن الدور الوطنى للمرأة الكويتية سوف يتزايد فى المستقبل». وكما أشارت رئيسة جمعية المرأة والصحراء لولوة الملا فى وقت لاحق، أن النساء الكويتيات اعتمدن على هذه الخطب لحث الأسرة الحاكمة على الوفاء بوعودهن. فى خطاب الأمير فى الأمم المتحدة ومؤتمر جدة، قال «إن المرأة الكويتية يجب عليها أن تأخذ مكانها الصحيح فى الكويت المحررة».

وصرح عالم السياسة «إليانور دوماتو» ساخرا أن حقوق المرأة فى الخليج «هدية من الملوك، وليس البرلمانات»، وقد استمرت الناشطات الكويتيات فى ممارسة الضغط على الأسرة الحاكمة الكويتية للحفاظ على «هديتها».

وفى نهاية المطاف، منحت الجمعية الوطنية للمرأة حق التصويت فى مايو 2005، ومع ذلك شهد هذا العقد قدرا كبيرا من الإحباط من بطء وتيرة التغيير.

وتطرح تجربة الكويت طريقا طويلا ومحبطا أمام تمكين المرأة فى المملكة العربية السعودية، والأمر الذى يجعله أكثر إحباطا هو عدم وجود قنوات لأى معارضة منظمة بالشكل المطلوب، على النقيض من المجال العام المفتوح نسبيا فى الكويت. وفى غضون أيام من الإعلان عن حق المرأة الوشيك فى القيادة فى السعودية، على سبيل المثال، بدأ سيل من السخرية على تويتر على هذا الاقتراح ولذلك أعلنت المملكة أن أى شخص سوف يسخر من «المرسوم الملكى» سيواجه قريبا غرامة كبيرة. ويطرح ذلك تساؤلات حول إذا كان الحق فى القيادة هو منح امتياز لمرة واحدة لتعزيز مكانة المملكة فى الخارج، أم سوف يدفع للمزيد من الإصلاحات فى المستقبل. وحتى فى ظل فترة حكم محمد بن سلمان، قامت العديد من النساء المعينات فى مجلس الشورى فى المملكة بتقديم استقالتهن لاعتقادهن بأن مقترحاتهن لتحسين وضع المرأة فى المملكة لا تلقى أى اهتمام.

• ركلة البداية من أعلى؟

أما على صعيد الرياضة النسائية يذكر الباحثان أن السعودية تلقت الكثير من التغطية عندما خضعت للضغط الدولى مما أدى إلى إرسالها لأول «رياضيتان» إلى دورة الألعاب الأولمبية الصيفية فى عام 2012. ومن الجدير بالذكر أن اللاعبتين ــ وجدان شحركانى (فى الجودو) والعداءة سارة عطارــ لم يكنا مؤهلتين بالشكل المطلوب، ولكن شاركن بدعوة خاصة من اللجنة الأولمبية. هذه التطورات وحدها لم تفعل شيئا يذكر لتغيير المواقف تجاه المشاركة الرياضية النسائية فى الوطن. وعلى مدى أربع سنوات، لم يكن لدى الرياضيات السعوديات المشاركات فى دورة الألعاب الأولمبية فى ريو سوى دعم مؤسسى قليل، فى حين أن بعضهن لا يتوفر لهن المرافق الرياضية المناسبة فى بلدهن الأم.

نجد أنه فى دولة قطر المجاورة، حيث تسود الأعراف الاجتماعية المماثلة والمذاهب الدينية، فإن الجهود الرامية إلى إشراك المرأة فى الألعاب الرياضية لها تاريخ أطول. وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بين البلدين، فإن تجارب قطر لتعزيز المشاركة الرياضية النسائية تسلط الضوء على التحديات المعقدة التى ستواجهها السعودية فى هذه القضية.

ومنذ بداية الألفية، وخاصة بعد منحها حقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 فى عام 2010، كانت هناك عدة مبادرات رسمية تهدف إلى زيادة عدد النساء فى قطر (والقطريات على وجه التحديد، نظرا لارتفاع عدد المغتربين فى البلاد) اللاتى يشاركن فى الرياضيات التنافسية المنظمة. وأنشئت اللجنة النسائية القطرية للرياضة رسميا بموجب مرسوم ملكى فى عام 2001 بهدف تشجيع مشاركة المرأة فى الألعاب الرياضية وتحسين أداء المرأة. فى عام 2006، عندما استضافت الدوحة دورة الألعاب الآسيوية، كانت لاعبة الجولف شروق السويدى أول امرأة تمثل البلاد فى حدث رياضى كبير.

على الرغم من هذه التحديات، نجد أنه فى السعودية، على سبيل المثال، حدث تغيير هادئ فى الترخيص الموسع للمرافق الرياضية النسائية، عقب تعيين الأميرة ريما بنت بندر آل سعود نائبة لرئيس شئون المرأة فى الهيئة العامة للرياضة فى المملكة، وهى مدافعة عن حقوق المرأة فى المملكة، وبالفعل، قالت الهيئة الرياضية إن ملاعب كرة القدم، حتى الاحتفال بالعيد الوطنى لعام 2017 المخصصة حصرا للرجال، سيجرى تجديدها لتشمل أقسام الأسرة لإتاحة وصول المرأة بصورة منتظمة. وحتى وقت قريب جدا، كانت جميع المرافق الرياضية الحكومية مرخص لها بالسماح للرجال فقط، مما يحظر مشاركة الأسر والنساء والفتيات الصغيرات من المشاركة بشكل فعال، حتى كمتفرجات..».

وختاما يمكن القول إن الحركات النسائية قد تكون أكثر فعالية فى دفع التغيير الاجتماعى عندما تستهدف أهدافا ملموسة مع مطالبات واسع النطاق، مثل تأمين البنية التحتية الرياضية ثم عندما يسعون علنا إلى تحطيم النظام الأبوى فى حد ذاته، لا يمكن تحقيق شىء فى هذ الإطار. كما أنه يمكن القول إن الطريق ما زالت طويلة أمام تمكين المرأة فى المجالات المختلفة فى المجتمعات الخليجية وفى السعودية بشكل خاص.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved