فرص نجاح اتفاقية السلام الإثيوبية
مجدى حفنى
آخر تحديث:
الأحد 15 يناير 2023 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
ألمحت فى مقالى السابق ــ المنشور هنا فى جريدة الشروق الغراء بتاريخ ٥ اكتوبر ٢٠٢٢ ــ إلى جهود الوساطة فى النزاع الاثيوبى الداخلى.
وقد تكللت بالنجاح هذه الجهود بوساطه جنوب إفريقيا والاتحاد الإفريقى فى ٣٠ نوفمبر هذا العام.
وقد نشرت فى هذا المكان العديد من المقالات عن تطورات الأزمة ومنها: «لماذا تجدد النزاع الداخلى فى إثيوبيا» بتاريخ الثلاثاء ٣٠ أغسطس الماضى، واليوم نتابع اتفاق السلام وشروطه وفرص نجاحه فى المستقبل:
أولا: اتفاق السلام وشروطه فى ٣٠ نوفمبر 2022
١ــ اتفق الطرفان على «وقف دائم للأعمال العدائية» لإنهاء حرب إقليم التجراى، التى هى نزاع مسلح واستمر لعامين حتى وُقعت اتفاقيه السلام.
٢ــ أطراف هذا النزاع هم: حكومة إقليم تجراى بقيادة جبهة تحرير تجراى الشعبية، وقوات الدفاع الوطنى الإثيوبية (ENDF) بمساعدة الشرطة الفيدرالية الإثيوبية وشرطة الولاية الإقليمية للمنطقة المجاورة أمهرا، ومنطقة إقليم العفر، مع تورط قوات الدفاع الإريترية فى النزاع.
٣ــ تضمنت الاتفاقيه الدعوة إلى نزع السلاح الكامل لقوات «جبهة تحرير شعب التجراى» فى غضون ٣٠ يوما، وفقا لنسخة الاتفاق النهائى، الذى لم يتم نشره، لكن حصلت عليه صحيفة أمريكية.
٤ــ وتنص الاتفاقيه على أن كبار القادة من كلا الجانبين سيجتمعون فى غضون خمسة أيام لمعرفة كيف سيتم نزع السلاح.
٥ــ ويُمهد الاتفاق الطريق أمام القوات الفيدرالية الإثيوبية لدخول ميكيلى عاصمة إقليم تيجراى بطريقة «سريعة وسلسة وسلمية ومنسقة»، وقوات الأمن الفيدرالية للسيطرة على جميع المطارات والطرق السريعة والمرافق الفيدرالية داخل الإقليم بواسطة القوات الفيدرالية فى إثيوبيا.
ثانيا: الانخراط الإريترى فى النزاع
٦ــ ارتكبت جرائم حرب من قبل الطرفين (الإثيوبى وإريتريا) أثناء النزاع تضمنت: ممارسات الاغتصاب، والإعدام التعسفى، ومجاعة من صنع البشر، ومنع وصول المساعدات الطبية والخدمات، وعمليات الترحيل القسرية التى وضعها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى خانة «التطهير العرقى».
٧ــ وتشير التقديرات إلى موت أكثر من 600 ألف شخص، معظمهم من التجراى، وقد توفى أكبر عدد منهم بسبب المجاعة والأمراض. طوال سنتين تقريبا، مما شعرت معه القوى الدولية والإقليمية بالقلق من هذه الأحداث، لكنها لم تستطع أن تفعل شيئا لوقف موجة العنف.
ثالثا: فرص نجاح اتفاقيه السلام:
٨ــ يتفق المحللون والخبراء على أنه لا يمكن اعتبار الاتفاقية والخطة الرامية إلى تنفيذها فى المرحلة اللاحقة إلا خطوة أولى نحو السلام وليست خطوة نهائية، ويستندون فى ذلك إلى:
ــ [ ] ان الاتفاقيه لا تعالج عددا كبيرا من مسائل السلام العالقة والشائكة. خاصه تجاهلها لأبرز قوة تخريبية محتملة (ارتريا) حيث لم تشارك ــإريتريا ــ فى التوصل إلى الاتفاقيه، ولم يذكرها النص مباشرةً، مع أنها تحارب إلى جانب الحكومة الإثيوبية فى التجراى. حيث انحازت أسمرة إلى أديس أبابا طوال مراحل الصراع وًتعتبر «الجبهة الشعبية لتحريرالتجراي« تهديدا وجوديا لها:
ــ فهناك عداء شديد و عميق بين تيجراى والقيادة الإريترية. يعود إلى التنافس
وحرب الحدود (١٩٩٨ــ٢٠٠٠) عندما اشتبك الطرفان فى صراع دموى.
ــ وأيضا بسبب خلافات شخصية وصراع على الحدود فجعلت من رفاق الماضى أعداء رغم أنهم كانوا إخوة فى السلاح خلال السبعينيات والثمانينيات وحاربوا سويا فى الأحراش ضد حكم الديكتاتور منجستو هايلى ماريام (١٩٧٤ ــ ١٩٩١).
ــ ويذهب بعض المحللين إلى: «أن قضية إريتريا تقوض الصفقة»: ويجرى التساؤل عن ماهية نوايا الإريتريين؟ وهل من مصلحتهم مغادرة التجراى؟ وهل لدى إثيوبيا الوسائل لجعلهم يغادرون؟
ــ ويخشى القائد العام لقوات التجراى «ألا يحترم المخربون من الداخل والخارج وقف إطلاق النار».
ــ وقد كان رئيس الحكومة الإثيوبية ينفى دعوة قوة أجنبية (إريتريا والأمهرة) لإخضاع منطقة المتمردين فى التجراى، لكن كان عليه أن يعترف بوجودهم فى مارس ٢٠٢١ عندما كانت وقعت المذابح، خاصة ما عرف بمذبحة أكسيوم ــ والنهب على أيدى قوات أسمرة.
ــ ففى خطاب ألقاه أمام البرلمان الإثيوبى، شكر أبى أحمد «شعب وحكومة إريتريا على الخدمة الدائمة التى قدموها لجنودنا الإثيوبيين».
ــ وحتى اليوم «يستمر القتل والخطف والقصف حول شاير وعدى دايرو، فى التجراى» وذكرت ذلك، المتحدثة باسم جبهة تحرير شعب تجراى، على تويتر. وأكد عامل إغاثة إثيوبى فى شاير النهب من قبل الإريتريين.
ثالثا: فى التحليل الأخير، وفى ضوء ما سبق، ومن وجهة نظرى يعد عدم الإشارة فى الاتفاقيه إلى انخراط إريتريا فى النزاع المسلح جعلت من التوصل إلى الاتفاقية خطوة متواضعة إشارة إلى أنه سلام هش.
ــ فموقف أسمرة فى عملية السلام الحالية يتضح من رفض الرئيس الإريترى أسياس أفورقى الدخول فى اتصال مع الاتحاد الإفريقى وفريق الوساطة الأمريكى ولا يزال مترددا فى الاعتراف بتدخله العسكرى فى التجراى.
ــ وبالنسبة لحكومة أبى أحمد، يتمثل التحدى الآن فى إقناع أسياس أفورقى باحترام وقف إطلاق النار وسحب قواته، وتبدو هذه المهمة شاقة.
رابعا: وفى التقدير العام فإن هذا النزاع سيظل مستمرا، حيث هناك رؤيتان وطنيتان متعارضتان فى إثيوبيا. فمن ناحية هناك الذين يدعمون فكرة إثيوبيا موحدة على أساس القومية («الإثيوبية»). ومن ناحية أخرى هناك مدافعون عن اتحاد فيدرالى لا مركزى يعترف بالاختلافات العرقية، واللغوية.
ويؤمن التجرانيون بالنزعة القومية بسبب ارتباطها بتاريخهم وتاريخ الأمهرة (٢٣مليون نسمة) ورثة العصر الذهبى الحبشى الأسطورى الآن، شكلوا إثيوبيا على حساب التجراى فى الشمال والجنوب (الاورومو).
وأنشأ دستور عام ١٩٩٥ القواعد العرقية الفيدرالية على أساس مبدأ أن كل مجموعة عرقية يجب أن يكون لها إقليمها الخاص. لكن على أساس القاعدة التى تنص على أن «مصيرنا مشترك»، وفى نفس الوقت استهدفت ضمنيا هيمنة أمهرة التى استمرت قرونا، مع إخفاء الغلبة الفعلية للتجرانيين فى مواقع السلطة. ويتفق الراى على أنه على المدى الطويل فشلت الفيدرالية فى احتواء المطالبات العرقية الإقليمية القديمة.
دكتور مجدى حفنى، سفير مصر السابق فى إثيوبيا.