هل تعافت السينما المصرية من الكوفيد؟ آفة حارتنا شُح المعلومات

تامر شيخون
تامر شيخون

آخر تحديث: الأحد 15 يناير 2023 - 2:45 م بتوقيت القاهرة

السينما المصرية حالها من حال حوارينا. تعاني نقصاً حاداً في الدراسات الميدانية والبيانات الإحصائية سواءً عن آليات الصناعة أو سلوك وتفضيلات وديموغرافية المشاهدين.

الفارق بيننا وبين الغرب أنهم يتعاملون مع السينما على أنها أحد أكبر "صناعات" الترفيه، أما نحن فنتعامل معها على أنها مَحْضْ ترفيه!

الخبرة والحَدَس وطموح المُنْتِج الشخصي ترسم معالم القرارات الإنتاجية في صناعة السينما المصرية بغض النظر عن أي منهجية حقيقية لدراسة السوق ومتطلباته وفجواته. 

لكن في الليلة الظلماء، يومض بريق أمل وليد.

الباحث والمحلل السينمائي "محمد حسين" يهدينا تقريرا شاملا دقيقا عن إيرادات شباك التذاكر في مصر عام 2022 من خلال ملف "إكسل"، جعله مُتاحاً عبر حسابه الشخصي على فيس بوك لجميع المهتمين بالشأن السينمائي في مصر. لدى محمد أيضاً تحليلات مهمة لفهم آليات الصناعة متاحة على منصة إضاءات. أنصح كل مهتم بالمجال السينمائي في مصر، الاطلاع على الملف وتلك التقارير الهامة.

دعنا نتأمل سويا أهم معالم الموسم السينمائي 2022.

- هل تعافت السينما المصرية من أثار جائحة الكورونا؟

 حققت دور العرض المصرية عام 22 إجمالي إيرادات 750 مليون جنيهاً مصرياً. مَثَّلَت إيرادات الأفلام المصرية منها 63% بحصيلة 480 مليون جنيه. 

المبلغ التقديري بالدولار الأمريكي بعد حساب متوسط سعر صرف سنوي 24 جنيه للدولار "في عام شهد موجتي تعويم عنيفتين"، هو 33 مليون دولار.

نصيب الأفلام المصرية منها 26 مليون دولار تقريبا بنسبة نمو 33% عن عام 2021 و انخفاض 25% عن إيرادات عام 2019 "قبل الجائحة"! 

إذن.. السوق المصرية تسترد عافيتها سريعاً بالنظر إلى العام السابق لكن تبقى إيرادتها بعيدة جدا عن مستويات ما قبل الجائحة. نحن في مرحلة النقاهة لكننا لم نصل بعد إلى تمام الشفاء.

هذا النسق يحاكي اتجاهات إيرادات دور العرض عالميا، إذ قُدِرَّت في عام 2022 ب 26 مليار دولار بنسبة نمو 21% عن العام السابق، وبنسبة انخفاض 35% عن عوائد 2019 حسب تقرير وكالة "جور ستريت أنالتيكس" المتاح على منصة "فاريتي".

الشرق الأوسط هو الأسرع نمواً في إيرادات شباك التذاكر على مستوى العالم بإجمالي إيرادات 558 مليون دولار، مدفوعة بالبداية القوية للسوق السعودي من خلال 300 شاشة عرض جديدة، دُشِنَت لأول مرة في تاريخ المملكة بنهاية عام 2018. 

تتوقع دراسة لشركة أبحاث التسويق "أوميديا" أن تصل شاشات العرض السعودية إلى 1400 شاشة بحجم إيرادات سنوية يتخطى المليار دولار عام 2030! ما يضمن نمواً مُطَّرِدَاً خلال العقد القادم على عكس سوق السينما العالمية, المُتَوَقَع إنكماشه بنسبة 3%!

-ما هي نوعية ألأفلام المُنتجة في السينما المصرية؟

مازالت الكوميديا مُهَيْمِنَة بقوة على كافة الألوان السينمائية الأخرى بنحو 17 فيلماً كوميدياً وبنسبة 65% من إجمالي إنتاج العام. شهية المنتجين لهذا اللون تعكس المزاج العام لأغلبية رواد السينما في مصر. كما تعكس أيضا بوصلة السوق السعودي المؤثرِ بلا جدال على توجهات الإنتاج المصري.

- يتجلى فيلم "كيرة والجن" لمخرجه مروان حامد وكاتبه أحمد مراد، المأخوذ عن رواية "1919" لمراد أيضا كظاهرة فريدة على كافة الأوجه.

- أولا هو الفيلم الأكبر في حصيلة الإيرادات بإجمالي 117 مليون جنيه. أي ما يقارب ضعف إيرادات أقرب منافس له "واحد تاني".

-ثانيا هو الفيلم الوحيد المأخوذ عن نص أدبي. إذ يبدو أن السينما المصرية لم تستفد كثيرا من انتعاشة سوق الرواية في آخر خمس سنوات حيث تضاعفت أعداد الروايات المُصْدَرَة وازدهرت ظاهرة "البيست سيلر" أو الكاتب الروائي الجماهيري. فبالرغم من النجاح الجماهيري الذي حققه الثنائي "مروان-مراد" عن عدة أفلام مأخوذة من روايات مراد "الفيل الأزرق" و"تراب الماس" ونجاح تجربة فيلم "هيبتا" لهادي الباجوري عن رواية بنفس الإسم لمحمد صادق. 

وبالرغم من ارتباط السينما المصرية تاريخيا بالأدب الروائي الذي بقي لعقود أحد أهم روافدها، إذ يكفي أن ندرك مثلا أن أديبا بمكانة نجيب محفوظ, تضاعفت جماهريته من خلال السينما التي قدمت أشهر أعماله الروائية قبل عقود من فوزه بنوبل عام 1988. القراء والمثقفون عرفوا قدر محفوظ من خلال قراءة رواياته, أما عموم الجماهير فعرفوه من خلال الأفلام السينمائية مثل "بداية ونهاية" والقاهرة 30" و"زقاق المدق" و"اللص والكلاب" وغيرها. مازال المُنْتِج المصري متحفظاً بشكلٍ عام تجاه حظوظ النجاح "السينمائي" المتوقع للرواية رغم تنوع ألوانها وطزاجة أفكاراها بما فيها من روايات إثارة وجريمة وتاريخ تداعب الخيال السينمائي.

-ثالثا، هو الفيلم الوحيد الذي أعلن منتجوه "المتحدة" عن ميزانية الفيلم البالغة 106 مليون جنيها مصريا. للأسف، تظل ميزانيات الأفلام المصرية سِراً دفينا، لا تُفْصِح عنه شركات الإنتاج رغم توافر مصادر متعددة عن حجم الإيرادات! غياب البيانات عن تكاليف الإنتاج تُعَمِّق الفجوة المعرفية عن مؤشرات الصناعة في مصر ومدى ربحيتها.

-رابعا وأخيراً، هو الفيلم الوحيد الذي يمكن اعتباره جامعاً بين ألوان الأكشن و"الوطنية" والتاريخ إلى حدٍ ما.

- أما عن بقية أنواع الأفلام, المطروحة في 2022، فقد جاءت أفلام الإثارة في المركز الثاني بنسبة 19% "خمسة أفلام"، تلتها الأكشن بنسبة 15% "أربعة أفلام" واختفت الأفلام التاريخية والمستقلة والاستعراضية والميلودرامية تقريبا من الشاشة.

لكن إذا ما أردنا تقييما موضوعيا لصناعة السينما في مصر. لا بد من مقارنتها بوضع الصناعة في دولة شبيهة في الظروف والتركيب والتاريخ الفني. لتكن تركيا على سبيل المثال.  

دعنا نعقد تلك المقارنة في المقال القادم بإذن الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved