تمثال العجوة
رباب المهدى
آخر تحديث:
السبت 15 فبراير 2014 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى احتفالية الشرطة بضباطها قبل أيام صعد الدكتور سعد الهلالى (أستاذ بجامعة الأزهر وعضو لجنة الدستور) المسرح ليقول لنا إن الله ابتعث الفريق/مشير عبد الفتاح السيسى واللواء محمد إبراهيم كما ابتعث موسى وهارون لينقذا الدين والناس. تذكرت وأنا أستمع للخطاب المشهد المتكرر فى الأفلام والمسلسلات الدينية الذى يصنع فيه البعض تمثالا من العجوة ثم يصلون له ويعبدونه. والحقيقة أن هناك تاريخا طويلا وتعيسا وراء فكرة تأليه الحاكم ظننا ــ وبعض الظن إثم ــ أننا تجاوزناه ليس فقط بحكم أننا صنعنا ثورة أزاحت حكاما ولكن أيضا بحكم تطور التاريخ وتجاوز الإنسانية لفكرة تأليه البشر، ولكن يبدو أن البعض مُصر ليس فقط على إعادتنا لعصر الأنظمة الشمولية ولكن لما قبلها من العصور الوسطى.
•••
ففى أوروبا فى القرون الوسطى كان الحكام بمساعدة الكنيسة يحكمون بما يسمى «الحق الإلهى» بمعنى أن شرعيتهم مستمدة من أن الله «ابتعثهم»، وبالتالى لا يحق لأحد من البشر أن يحاسبهم على أخطائهم أو يفرض عليهم شروطا للحكم أو أن يعزلهم فهم ظل الله على الأرض، وبالتالى هم أعلى مرتبة من أن يكونوا محاسبين من الشعب. وفى العصر الحديث، رأينا تكرارا لهذه الفكرة فى الأنظمة الشمولية فكان صدام حسين ليس فقط الزعيم والقائد المنقذ ولكن أيضا «هبة السماء للأرض» والقسم الأعظم يكون برأس صدام وليس بالله وغطت صوره الشوارع والبيوت كما تغطى صورة السيسى شوارع القاهرة. وفى سوريا كان الهتاف لحافظ الأسد «يا الله حلك حلك نحط الأسد محلك» وشعار «الأسد للأبد» جزء من منظومة لا يسمع فيها صوت معارض أو حتى مسائل للزعيم المؤله. ثم قامت ثورات وحروب كثيرة فى أوروبا لعشرات السنين دفع فيها الآلاف حياتهم حتى يتخطوا فكرة الحق الإلهى والحاكم المبتعث وفى العراق أُبيد الآلاف بالأسلحة الكيمياوية ومزقت العراق فى حربين ثم احتلال وتقسيم ثمناً لجنون الزعيم الإله ومازالت سوريا تدفع من دماء أبنائها ثمنا لجنون الابن ورفضه لكونه بشرا يعارض ويحاسب. فى نهاية المطاف لم يأتى تأليه الزعيم بخير ولا رخاء ولا وحدة الشعب وراء زعيمه لنهضته (كما يزعم مؤيدو ومؤلهو السيسى) بالخير على أى من هذه الشعوب على مدى التاريخ، حتى وإن أتى الزعيم ببعض الإنجازات على المدى القريب.
•••
سيقول البعض ــ بعد الاتهام بالخيانة طبعا ــ أن هذه تصورات ظالمة فى الحالة المصرية، فتأليه السيسى حتى وإن كان فيه مبالغة من البعض نابع من شرعيته «كمنقذ» لهذا البلد من الحكم الإخوانى وخروجه كما قال واضعا رقبته على كفه انحيازا لإرادة القطاع الأغلب من المصريين. وهو نفس الكلام الذى قيل عن المجلس العسكرى والمشير طنطاوى فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير. والحق أن من أنقذ البلد من حكم مبارك ثم مرسى ومن أنقذ المشير السيسى ذاته من مصير مظلم هو الشعب وليس العكس. فالمشير طنطاوى والمشير السيسى عملوا تحت إمرة مبارك طوال سنوات حكمه دون أدنى معارضة أو محاولة لما يسمى «إنقاذ البلد» ثم عمل السيسى وبعد فترة محمد إبراهيم (المبتعثين لإنقاذنا من الإخوان) مع مرسى لشهور دون كلل أشرفا فيها على إقرار حظر التجول فى مدن القناة وقتل المتظاهرين فى بورسعيد والقاهرة ضمن أحداث كثيرة. فلو لم يخرج قطاع كبير من الشعب فى ٣٠ يونيو لكان مصير (الفريق) السيسى هو نفس مصير قادة الجيش فى فينزويلا عام ٢٠٠٢ حينما عزلوا الرئيس هوجو شافيز بدعم من رجال الأعمال والإعلام المملوك لهم، فأعاده الشعب بمظاهرات حاشدة لم تستطع الشرطة قمعها وتمت محاكمة قيادات الجيش وهرب بعضهم طالبا اللجوء السياسى. لا أفهم إذا ما هو «الجميل» الذى يطالب البعض المشير السيسى باستكماله ولا ما هو إنجازه الأعظم الذى يؤهله ليس فقط للرئاسة ولكن لوضعه فى مرتبة النبيين والرسل، فلو هناك جميل فهو جميل صنعه الشعب بنفسه ولنفسه.
•••
وسيرد آخرون أن السيسى هو تجسيد للإرادة الشعبية التى خرجت بالآلاف لتفوضه وهى التى تضع صورته فى كل مكان وتدافع عنه بشراسة دون أن يطلب هو ذلك. ولكن ينسى أو يتناسى من يرددون هذا الكلام أن هتلر فى ألمانيا وصدام حسين فى العراق فى السبعينيات وحافظ الأسد كل هؤلاء خرجت من أجلهم الآلاف تهتف باسمهم وحياتهم لم يكونوا مأجورين ولا مكروهين. ولكن فى النهاية وكما فى الأفلام، تمثال العجوة يُؤكل حينما يجوع الناس ونحن جوعى للحرية والعدالة والخبز حتى وإن تغافلنا عن ذلك لحين.