بوتين بدا أكثر إقناعًا
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الثلاثاء 15 فبراير 2022 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
شاهدت المؤتمر الصحفى الذى عقده الرئيسان الروسى بوتن والفرنسى ماكرون الذى زار موسكو كرئيس بالاتحاد الأوروبى، وممثلا لوجهة النظر الأوروبية والأطلنطية (حلف الناتو) وذلك بعد مباحثات بينهما دامت ست ساعات متصلة.
وخرجت من هذه المشاهدة وأنا أكثر اقتناعا بوجهة نظر بوتن وبالموقف الروسى، فقد ذكر بوتن بوضوح شديد أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو فى الوقت الذى تعلن فيه أن شبه جزيرة القرم هى أراض أوكرانية، وأنها ستسعى إلى استعادتها بكل الوسائل، وهى الأراضى التى تعتبرها روسيا جزءا من أراضيها، هذا الموقف سيضع أوروبا فى موقف صعب إذا ما انضمت أوكرانيا لحلف الناتو وقامت أوكرانيا بتنفيذ تعهداتها وتهديدها بشأن شبه جزيرة القرم، فإن ذلك سيفرض على حلف الناتو النهوض لمساعدة أوكرانيا عسكريا مما سيضع أعضاءه فى حالة حرب مع روسيا.
وفى نفس الوقت فإن روسيا أعلنت عشرات المرات أنها لا تنوى ولا تريد شن حرب على أوكرانيا، ويدهشها أن تثير مناوراتها الحربية التى تقوم بها على أراضيها وفى سمائها ومياهها الإقليمية كل هذه الضجة فى الغرب. وأضاف الخبراء والمسئولون الروس أن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطى يقومان بمناوراتهما الحربية فى البحر الأسود بالقرب من الحدود الروسية. فماذا لو فعلت روسيا نفس الشيء وقامت بمناورات عسكرية بالقرب من شواطئ نيويورك والساحل الشرقى للولايات المتحدة أو بالقرب من الساحل الغربى لشواطئ كاليفورنيا.. بالطبع سيصاب الغرب بهستيريا.
• • •
والغريب فى الأمر أن دق أجراس الخطر وطبول الحرب والتصعيد المستمر يأتى من أمريكا وحلفائها، بينما يتفق الطرفان الرئيسيان ــ روسيا وأوكرانيا ــ على بث نغمة هادئة ومهدئة، وقد بعث الرئيس الأوكرانى زيلينسكى مؤخرا بأقوى هذه الرسائل المهدئة عندما نفى مؤخرا أن روسيا تستعد لمهاجمة بلاده وذلك بعد تصريحات بايدن التى أعلن فيها اقتراب الغزو الروسى، فقال بالحرف الواحد «إن أوكرانيا تعى تماما مخاطر التصعيد الروسى وتشكر حلفاءها على مدها بالمعلومات الاستخباراتية ولكن هذه المعلومات يجب أن تخضع للتحليل والتدقيق بعناية، وفى جميع الأحوال فنحن نؤمن بأن الطريق الدبلوماسى هو الحل الأمثل والوحيد لخفض التصعيد»، (نقلا عن الموقع الرسمى للرئيس الأوكرانى).
• • •
إن 20% من مواطنى أوكرانيا هم من الروس، فضلا عن أن الروابط الإنسانية والثقافية واللغوية والتاريخية التى تجمع بين شعبى البلدين هى من أقوى الروابط فكلاهما ينتميان إلى إثنية واحدة وهى ما يطلق عليها «إثنية سلاف الشرق» تمييزا لهم عن «سلاف الجنوب» وهم سكان يوجوسلافيا السابقة، ولغتا البلدين متقاربتان إلى حد كبير، وباعتقادى أن كليهما يترددان فى أن تراق الدماء بينهما لذلك رأينا أن أكثر الأطراف الداعية للتهدئة هى أوكرانيا نفسها.
• • •
إن كل ما تطالب به روسيا هو عدم الاقتراب العسكرى من الحدود الروسية وعدم المخاطرة بضم أوكرانيا لحلف الأطلنطى لما قد يترتب عليه من عواقب خطيرة؛ لأنه حينذٍ سيتم جركم ــ موجها كلامه إلى ماكرون ــ بصورة آلية إلى نزاع عسكرى رغم أنفكم.. أما ماكرون فقد ركز حديثه على الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية الشرقية والجنوبية وأشار إلى عدم وجوب التخوف من الانضمام للحلف الأطلنطى، نظرا إلى الطابع السلمى للحلف، كما تحدث أيضا عن تدخلات روسيا من خلال شركة فاجنر الروسية العسكرية فى مالى وفى مناطق أخرى من العالم، وهنا أتيحت الفرصة لبوتن للرد مستعرضا تاريخ التدخلات العدوانية لحلف الناتو فى أوروبا (يوجوسلافيا السابقة) وخارج أوروبا فى أفغانستان وسوريا والعراق ولا يمكن وصف المنظمة التى تقوم بمثل هذه التدخلات بأنها ذات طابع سلمى.
وبالنسبة لتدخلات شركة فاجنر الروسية فى عدة أماكن من العالم وآخرها مالى، فكان رد بوتن تقليديا وغير مقنع، إذ دفع بأن الحكومة الروسية لا علاقة لها بهذه الشركة التى تنتمى بالكامل إلى القطاع الخاص. والجدير بالذكر أن روسيا تحاكى الولايات المتحدة فى هذا المضمار، فلعلنا جميعا نذكر ما قامت به مثل هذه الشركات من جرائم فى العراق، وهى الشركات الأمريكية التى وصفتها الولايات المتحدة بأنها متعاقدة مع وزارة الدفاع وكانت كلمة الـContractors وتعنى المتعاقدين، تتداولها وسائل الإعلام بكثرة أثناء غرو العراق. وفى السنوات التى تلت الغزو (كان الإعلام العربى بترجمها خطأ بكلمة المقاولون الأمريكيون).
وأيا كان المسمى.. مقاولون أم متعاقدون أو شركات قطاع خاص فيجب العمل على سد هذه الثغرة فى القانون الدولى بحيث تصبح الدولة هى المسئولة عن تصرفات مواطنيها وشركاتها فى النزاعات المسلحة خارج حدودها.
• • •
ثلاثون عاما منذ انهيار الاتحاد السوفييتى والغرب يتجاهل تماما مطالب ومخاوف روسيا الأمنية، إلا أن روسيا استطاعت أن تجبره على الاستماع إليها مؤخرا دون إطلاق رصاصة واحدة والاقتصار على استخدام تحركات دبلوماسية وبعض الضغوط على القارة العجوز، ومن بينها التلويح بوقف إمداد أوروبا بالغاز الروسى إذا تم فرض عقوبات عليها، وهو الأمر الذى لا يمكن أن تعوضه أية مصادر أخرى، حيث تغطى واردات أوروبا من الغاز الروسى ثلث احتياج أوروبا ومن المنتظر أن تزداد هذه النسبة، نظرا لبدء عودة الاقتصاد الأوروبى إلى مستواه الطبيعى بعد الانخفاض الذى أحدثته جائحة كورونا، وأيضا نظرا لانخفاض الطاقة المولدة من المفاعلات النووية فى أوروبا وفى ألمانيا بوجه خاص.