إقالة تيلرسون تُقلق العالم لكنها تُفرح نتنياهو
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الخميس 15 مارس 2018 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
ستبتهج حكومة إسرائيل ومؤيدوها بالتأكيد لإقالة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون واستبداله برئيس الـCIA «مايك بومبيو». يُعتبر تيلرسون غير متعاطف مع إسرائيل بينما بومبيو نصيرا متحمسا لها. وقد سعى تيلرسون للمحافظة على الاتفاق النووى مع إيران، بينما يشاطر بومبيو بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب مطالبتهما بتعديل الاتفاق أو القضاء عليه. وأيضا تعيين جينا هاسبل مكان بومبيو يمكن أن يبدو مفيدا: فهى فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا التى كانت مسئولة خلال سنوات طويلة عن الحرب السرية والسوداء ضد الإرهاب، واتُهمت أيضا بالسماح بتعذيب المخربين من الإسلاميين المتطرفين.
على الرغم من أن بومبيو وهاسبل يعتبران أكثر صقرية من تيلرسون فى علاقتهما بروسيا، فإن قرار إقالة وزير الخارجية بعد أقل من 24 ساعة على الانتقادات الحادة التى وجهها إلى موسكو لمحاولة الاغتيال التى قامت بها فى لندن ضد الجاسوس الروسى السابق سيرغى سكريبال تزيد من الشك فى أن البيت الأبيض يتحرك بناء على تعليمات مباشرة من الكرملين.
منذ البداية شكل تيلرسون وترامب ثنائيين غير ناجحين. لم يكن الرئيس يعرف المدير العام لشركة النفط العملاقة أكسون موبيل قبل أن يعرض عليه التخلى عن راتب يبلغ عشرات ملايين الدولارات من أجل المشاركة فى الحكومة. وعلى الرغم من أنه من المعروف عن تيلرسون أنه صديق شخصى لفلاديمير بوتين، فقد انتهج خطا أكثر صقرية من ترامب حيال الكرملين. وتحفظ على القرار الأحادى الذى اتخذه ترامب بشأن فرض مكوس حمائية والمخاطرة بحرب تجارة عالمية. وادّعت مصادر فى البيت الأبيض أمس أن تشكيك تيلرسون باللقاء المنتظر بين ترامب وكيم يونغ كان أحد الأسباب المركزية لإقالته. وكما هو معروف، فقد عبّر بومبيو بحماسه عن تأييده للقرار العفوى لترامب الاجتماع مع زعيم كوريا الشمالية.
خطيئة تيلرسون الكبرى أنه لم ينجح فى تملق ترامب كما يجب، ولقد تعرض بسبب ذلك إلى سلسلة لا نهاية لها من الإهانات من البيت الأبيض. وكانت الذروة عندما نُقل عنه أنه وصف الرئيس بالأحمق، وبحسب تقارير معينة وصفه بأنه «أحمق مسلّح»، كما أن تيلرسون كان ينفر من أسلوب ترامب الأهوج والفج سواء على الصعيد الداخلى أو الخارجى.
مع ذلك، ليس ترامب فقط له ملاحظات ضد تيلرسون. فقد افتقد وزير الخارجية إلى الكاريزما التى تدفع الناس إلى الاستماع له. وبسرعة فهم سياسيون أجانب أن وزير الخارجية لا يتحدث دائما باسم رئيسه. ومثل وزراء خارجية إسرائيليين عديدين استخف تيلرسون بالوزارة التى تولاها، ووافق على تقليصات كبيرة فى ميزانية وزارة الخارجية، وامتنع من إجراء تعيينات فى مناصب رئيسية وتسبب بمغادرة مسئولين كبار آخرين. والدبلوماسيون الأمريكيون فى اتفاق نادر مع مؤيدى إسرائيل، وبينهم شلدون أدلسون، لن يذرفوا دمعة على ذهابه.
وفى المقابل يبدو بومبيو على الموجة نفسها مع الرئيس على الصعيد الشخصى وإن لم يكن ذلك دائما على الصعيد الدولى. وبخلاف تيلرسون الذى كان غريبا فى واشنطن ولا يعرف أسلوب تصرفها، شغل بومبيو منصب عضو فى مجلس النواب عن ولاية كنساس خلال السنوات الست التى سبقت تعيينه، وهو محبوب ومقبول فى الكونجرس، وخصوصا فى كتلة الجمهوريين.
من ناحية ثانية، تشير إقالة تيلرسون إلى تخلى ترامب المستمر عن الأشخاص الذين فضّلوا الولاء لمنصبهم على انصياعهم لأهواء الرئيس. الدور القادم فى التطهير يمكن أن يكون المستشار لشئون الأمن القومى هربرت ماكمستر، الذى لن يبكى أدلسون على رحيله. إقالة تيلرسون لن تحظى برضى وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذى كانت له علاقات عمل وثيقة مع تيلرسون. كما أن الإقالة غير اللائقة لوزير الخارجية يمكن أيضاَ أن تزيد فى عدم استعداد كثيرين للانضمام إلى حكومة ترامب خوفا من أن تكون نهايتهم سريعة وعصيبة.
من المحتمل أن تشكل هذه التبديلات منعطفا معينا فى توجه ترامب نحو روسيا بعد أن وافق اليوم للمرة الأولى على ذكر اسم روسيا علنًا كمسئولة محتملة عن محاولة الاغتيال فى إنجلترا. وليس من المستبعد أن يكون ترامب اختار هذا التوقيت اليوم لقطع رأس تيلرسون كى يحوّل الانتباه عن الانتخابات الخاصة التى تجرى فى منطقة مؤيدة للجمهوريين فى غرب بنسلفانيا حيث للمرشح الديمقراطى الشاب الآن فرص كبيرة فى الفوز.
الأكيد هو أن ترامب عزز بالأمس الشكوك فى أن زعيم العالم الحر هو رجل غير متوقع وأهوج، وبخلاف المديح الذى يكيله لنفسه وبمعرفته بعالم الأعمال، يدير ترامب إدارته مثل دكان بقالة. وزعماء العالم يخافون من عدم استقرار ترامب ومن استعداده لغرز سكين فى ظهر حلفائه، وخصوصا أصدقائه فى الداخل، باستثناء نتنياهو طبعا، لأنه مقتنع بأن هذا لن يحدث معه.
حيمى شاليف
محلل سياسي
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية