الفاشيون الجدد ومصير الجمعية التأسيسية


هويدا عدلى

آخر تحديث: الإثنين 16 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

انتابنى شعور بالذهول والخزى وأنا أتابع بعضا من جلسات مجلس الشعب وهى تناقش قانون العزل السياسى، ولم يعد عندى ذرة شك أن تيار الإسلام السياسى فى البرلمان ما هو إلا نسخة طبق الأصل من الحزب الوطنى المنحل الذى كان يفصل القوانين على مقاسه ويقصى كل المعارضين، بل ربما يكون أخطر بحكم تستره بغطاء دينى. فالأغلبية الإسلامية فى مجلس الشعب من خلال قانون العزل السياسى تسعى جاهدة إلى تفصيل قانون يضمن إخلاء الساحة السياسية من المنافسين على مقعد الرئاسة، وهذا نفسه ما كان يفعله النظام السابق. لم تكن هذه الواقعة هى الواقعة الوحيدة الدالة إلى السعى للإقصاء والاستحواذ من قبل تيار الإسلام السياسى، فقد كان قبلها تشكيل الجمعية التأسيسية والتى تم الحكم بإيقافها. والسؤال الموجه لتيار الإسلام السياسى: لماذا الخشية من مرشحين للانتخابات الرئاسية ينتمون للنظام السابق مادمتم تدعون أن اغلبية المصريين معكم وأن المزاج العام مؤيد لكم، ومن ناحية أخرى أين الثقة فى الإرادة الشعبية وضرورة احترامها التى طالما تذرع بها هذا التيار عندما كنا نطالب بدستور أولا وغيره من الأمور، حيث كانت مقولة لا يمكن الالتفاف على الإرادة الشعبية التى ظهرت فى استفتاء 19 مارس تتكرر مرارا، أين ذهبت ثقة التيار الإسلامى فى الإرادة الشعبية وقدرتها على لفظ من ينتمون للنظام السابق. أن هذا الوضع يشير إلى أزمة حقيقية يعانى منها التيار الإسلامى وأغلبيته فى البرلمان، فهو يدرك أن شعبيته تراجعت فى الشارع المصرى بسبب تراجعه عن وعوده سواء فى المشاركة فى الانتخابات البرلمانية وليس المغالبة أو فى ترشيح أحد من أعضاء الإخوان المسلمين للانتخابات الرئاسية، ومن ناحية أخرى فإن التلاعب الذى حدث فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية، ليس من السهل تنفيذه فى الانتخابات الرئاسية، فالأمر مختلف.

 

●●●

 

والحقيقة أن الموضوع الأهم فى اللحظة الراهنة هو هل متوقع من مثل هذا البرلمان أن يعيد تشكيل الجمعية التأسيسية على أساس معايير موضوعية وبشكل توافقى، يحترم التنوع فى المجتمع. فكل المقدمات تشير إلى عكس ذلك. فممارسات الأغلبية البرلمانية على مدار الشهور القليلة الماضية تشير إلى سيطرة عقيدة الاستحواذ والإقصاء، وبالتالى لا أعتقد أن هذه الأغلبية البرلمانية سوف تسعى لبناء التوافق حول الجمعية التأسيسية، بل سيتم الالتفاف وإعادة إنتاج الجمعية التأسيسية السابقة، فإيمانهم بضرورة التوافق يبدو أنه غير حقيقى.

 

وبما أن الدستور هو أهم عملية سياسية فى مسار عملية التحول الديمقراطى، وبما أن عملية الصراع السياسى فى مصر دخلت منحنيات خطيرة، فإن ترك الأمر تماما لمثل هذا البرلمان أمر خطير، فمنهجية صنع الدستور القادم ومحتواه هى التى ستقرر إلى أين تتجه مصر، هل نحو نظام ديمقراطى أم نحو نظام فاشٍ يريد أن يستحوذ على كل مقاليد ومؤسسات السلطة والحكم فى مصر كى يتمكن من صبغ المجتمع كاملا بأفكاره. والحقيقة أن السيناريو الثانى هو الأكثر ترجيحا بحكم الميل الشديد لدى التيار الإسلامى للاستحواذ وإقصاء كل المعارضين والمختلفين وفى ظل عدم وضوح المادة 60 وتعدد التفسيرات لها.

 

●●●

 

إن تشكيل الجمعية التأسيسية يمثل التحدى الرئيسى الذى ستتوقف كثير من مضامين الدستور القادم على الإطار الحاكم لهذا التشكيل بما فيه من معايير وطريقة اتخاذ القرار فى هذه الجمعية. فالمطلوب تفسير المادة 60 من الإعلان الدستورى وفقا للقواعد الدستورية المستقرة مثل عدم جواز أن تقوم احدى السلطات التى ينشئها الدستور بوضع الدستور، وكذلك درءا لشبهة تضارب المصالح، والحقيقة أن الجهة الأنسب للقيام بهذا الدور المحكمة الدستورية العليا بحكم التخصص ولكونها ليست طرفا فى الصراع السياسى الراهن. كما يتعين أن يشمل التفسير معايير اختيار الجمعية التأسيسية، هذه المعايير التى يجب أن تحترم التنوع فى المجتمع بكل محاوره وتضمن التمثيل لكل أطياف المجتمع المصرى وتنوعاته على أساس الأقاليم الجغرافية والتنوعات المهنية والدينية والثقافية غيرها. وبجانب معيار التمثيل، لابد من مراعاة اعتبارات الكفاءة والتخصص. لا تقل إجراءات إدارة الجمعية التأسيسية أهمية عن معايير اختيارها، فالأغلبية الموصوفة سواء كانت الثلثين أو الثلاثة أرباع ضرورية لضمان التوافق داخل الجمعية التأسيسية، فلا يمكن أن يتم التصويت على مواد الدستور بالأغلبية البسيطة التى تستخدم فى إصدار القوانين (50% زائد 1).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved