مرة أخرى.. التعليم
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 15 أبريل 2015 - 9:50 ص
بتوقيت القاهرة
تناولت الصحف نبأ قيام مسئولين فى وزارة التعليم بجمع كتب نسبت إلى الإخوان المسلمين فى مكتبة إحدى المدارس، والتخلص منها بحرقها فى فناء المدرسة فى مشهد احتفالى. لن أعلق على الخبر الذى أثار جدلا واسعا، ولن أدخل فى سجال عما إذا كانت بعض أو كل الكتب لها انتماء إخوانى، أو أنها سبق إجازتها إداريا، هذه تفاصيل لا أريد الخوض فيها، ولكن ما لفت انتباهى أن إعلان الحرب على التطرف تحول إلى«شو إعلامى»، ولا يعبر عن توجه يمكن الركون إليه فى تطوير المكتبات المدرسية ذاتها، والتى أتصور أنها تعانى، مثل بقية عناصر العملية التعليمية من تعثر وضعف. قد يكون مفهوما أن تتخلص المدارس من كتب تحض على العنف ــ إذا ثبت ذلك بالطبع ــ ولكن ما هى التصورات التى تحملها من أجل تطوير المكتبات بضم المفيد من الكتب الذى يربى الجيل الجديد على الإبداع، والتفكير النقدى، وينمى روح البحث والدأب فى طلب المعرفة فى نفوسهم؟
ما أفهمه أن تتجه وزارة التربية والتعليم، سواء بذاتها أو بالتعاون مع هيئة الكتاب ومكتبة الإسكندرية وغيرهما فى تطوير المكتبات المدرسية. وهذا لا يمكن أن يتحقق دون دراسة دقيقة لحال هذه المكتبات من حيث نوعية الكتب الموجودة بها، مدى حداثتها، ارتباطها بالتكوين الفكرى والوجدانى للطلاب والطالبات، معدلات الاستعارة الخارجية، نسبة المترددين عليها مقارنة بالعدد الإجمالى للطلاب، لأنى أزعم أن المسألة تتجاوز حرق مجموعة من الكتب فى إحدى المدارس، ولكن فى نوعية الكتب التى تحض على الجهل، والخرافة، وتمنع التفكير العقلانى، وهى كثيرة فى مكتبات المدارس فى حدود علمى.
مرة أخرى نجد أنفسنا فى اشتباك مع قضية التعليم، وما يحدث فيها، ومع المدرسة التى ينظر إليها على أنها «مؤسسة بيروقراطية» محمية، محصنة، لا ينبغى أن تكون فى تواصل مع المجتمع، مكان للتلقين وليس للتفكير النقدى الإبداعى. هؤلاء الذين قاموا بحرق كتب فى فناء المدرسة لأنها تحض على العنف، نسوا أو تناسوا أو سعوا لإبراء ذمتهم من موجة التطرف التى تخيم على المجتمع، والتى لا يمكن معها الحظر لأن الفضاء الإلكترونى والأرصفة والإعلام وبعض الخطابات الدينية ينضح بالتطرف. لا يمكن مواجهته سوى بتربية الجيل الجديد على التفكير الصحيح، والتحلى بالعقلية النقدية، والقدرة على اتخاذ قرار فى الحياة، وتوقير الحياة السلمية، والسعى الدائم إلى المشاركة فى المجتمع، والارتباط بالحركة التطوعية، والانفتاح على الثقافات الحديثة. باختصار أن تكون المدرسة مؤسسة «تكوين» وليست كيانا بيروقراطيا للتلقين. أليست العقلية التى تعودت على التلقين سهلة طيعة أمام خطابات التطرف؟ أليس غالبية المتطرفين خريجو جامعات، وبعضهم من خريجى ما يطلق عليهم كليات القمة فى العرف المصرى؟
ما لم تأخذ المؤسسة التعليمية بيد الطلاب على طريق الحداثة بالمعنى الثقافى، لن يشفع فيهم حرق بضعة كتب، لأن العبرة بما يمتلكه الطلاب من قدرة على الفرز بين الأشياء، وتكوين الرأى الصحيح، وممارسة النقد الذاتى، وعدم الاستماع طواعية إلى خطابات التطرف.
هذه هى خبرة المجتمعات الجادة، وليست التى تريد «الشو الإعلامى».