نحن والتنين: نظرة فرنسية
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 15 أبريل 2015 - 10:00 ص
بتوقيت القاهرة
المصير المصرى يتقرر فى إقليم مشتعل بالنيران فوقه لاعبون دوليون كبار يتنازعون القوة والنفوذ والمصالح.
بعضهم يتدخل بنفوذه العسكرى والدبلوماسى كالولايات المتحدة وروسيا بدرجة أقل.
وبعضهم الآخر يتقدم بلا صخب لكن بثبات من يستند على قوته الاقتصادية ويعرف أهدافه ووسائله كالصين.
أين نحن بالضبط على رقعة المصالح الكبرى؟
وكيف ينظر لنا الآخرون؟
تطل الصين على الإقليم وأزماته باستراتيجية طويلة النفس ترى أن هناك انحدارا فى القوة الأمريكية غير أن لحظة التدهور النهائى لم تحن بعد وأنها وحدها المرشحة أن تتحول إلى قوة عالمية مماثلة لا روسيا ولا الهند ولا أية دولة أخرى غير أن هذا اليوم مازال بعيدا.
بمعنى آخر فإن التنين الصينى يحاول أن يدير ضمور القوة الأمريكية التى لا تعرف كيف تدير أزمتها.
فى إدارة ضمور القوة الأمريكية ثمة رهان على دور مستقبلى مصرى بأكثر مناطق العالم حساسية وخطورة.
هناك انطباعان قويان لدى القيادة الصينية أحدهما شبه معلن والآخر شبه مكتوم.
الأول، أن الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» «هواه صينى» بنص عبارة الدبلوماسى الفرنسى المخضرم «ليونيل فيرون»، وهو يعمل حاليا بالقرب من صانع القرار الصينى ويقدم خبراته الاستشارية، يدير مركزا للأبحاث فى عاصمتها ويتقن الحديث بلغتها، وقد عمل لفترة فى إدارة التخطيط الاستراتيجى بوزارة الدفاع الفرنسية.
مزيج الدبلوماسى والعسكرى والبحثى يضفى على رؤيته قيمة خاصة تستحق التوقف عندها، وفيها تتداخل على نحو مثير خبرته الفرنسية وتجربته الصينية.
عبارته عن «الهوى الصينى» قد تنطوى على شىء من المبالغة تعود إلى طبيعة الرئيس فى إبداء مشاعره لكنها تعكس بيقين الأثر الإيجابى الذى خلفته زيارة بكين.
التعويل على الهوى ليس من طبيعة السياسة الصينية والرهان يستند إلى شروع «السيسى» فى إعادة التوازن إلى علاقاته وشراكاته الكبرى الاقتصادية والسياسية بأثر المواقف الأمريكية والغربية السلبية من الحكم الجديد.
هذا رهان مستقبلى تحت الاختبار.
إلى أى حد تستدير مصر نحو الصين.. وإلى أى مدى تلتزم بما أطلقه رئيسها فى بكين حول الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
والثانى، أن مصر تفتقد بفداحة إلى طبقة رجال الدولة، وهذا الانطباع يكاد أن يكون سائدا فى دوائر الحكم الأخرى للاعبين الدوليين الكبار، ورغم قسوته فإنه أقرب إلى الحقيقة، والرئيس نفسه تحدث أكثر من مرة عن أن الجهاز الحكومى مخرب تماما، وأن الدولة جرفت قدراتها، فضلاً عن أن ما يتردد فى المنتديات العامة عن التجريف يصل صداه إلى العالم.
وقد كان لافتا أن الدبلوماسى الفرنسى المحنك أشار إلى الانطباع الأول فى حوار مطول أجراه فى بيروت عن الحسابات الصينية فى عالم يتغير وإقليم يشتعل بالنيران، بينما لم يشر إلى الثانى عندما بدأت آلة التسجيل فى العمل رغم أنه عاينه بنفسه فى القاهرة عندما وفد إليها للمشاركة فى الإعداد لزيارة «السيسى» الصينية.
الصحفيان اللبنانيان «على نصار» و«وليد شرارة» اللذان أجريا الحوار بالفرنسية وتوليا ترجمته بكرم بالغ إلى العربية للإطلاع عليه أصيبا بما يكاد أن يكون صدمة من تلك الفجوة الواسعة بين الانطباعين.
الفجوة تنذر باحتمالات إفلات فرصة أن توضع مصر من جديد حيث يجب أن تكون على خريطة إقليمها وعالمها.
دون أن يقصد الدبلوماسى والباحث الفرنسى المقرب من مركز صناعة القرار الصينى تكاد تغيب عن مداخلاته المطولة أية أدوار مصرية فى معادلات القوة الحالية.
وهذا طبيعى بعد تجريف طويل للمكانة الإقليمية المصرية.
وإلى حد كبير فإن هناك شيئا من الإعجاب بإيران التى تتمتع وحدها من بين دول الإقليم بسياسة مستقلة، ولا تستمع لغير ما تراه.
بالنسبة إلى الصين فـ«هناك ثلاثة شركاء رئيسيون بالإقليم هم إيران والسعودية وإسرائيل».
الرهان المستقبلى على مصر لا يعنى أنها حاضرة أو مؤثرة فيما هو جار من حسابات ومصالح، أما تركيا اللاعب الإقليمى الذى لا يمكن تجاهله فقضية أخرى شائكة وملغمة.
هناك شراكة عسكرية واقتصادية بين بكين، وأسطنبول مصحوبة بصعوبة سياسية بالغة فى التفاهم تعود أساسا إلى القلق الصينى من أية استراتيجية طورانية فى آسيا الوسطى ولغة خطاب الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان».
تعتقد الصين بعمق أن «آسيا هى قارة القوة فى القرن الحادى والعشرين وليست أمريكا» وأية مشاكل تسببها تركيا داخل حدودها بين الأقليات الدينية والعرقية مسألة بالغة الحساسية قد تعطل مشروع قيادتها الآسيوية.
المثير أن الأقطاب الإقليميين الثلاثة كل واحد منهم ضد الآخر والخلافات بينهم تمتد على مستويات استراتيجية واقتصادية غير أن السياسة الصينية تحاول أن تتجنب فخ الاختيار بين المتناقضات الإقليمية.
السعوديون والإيرانيون مهمون للغاية بحسابات الحاجة إلى النفط والإسرائيليون شركاء اقتصاديون وتكنولوجيون منذ عام (١٩٩٢) رغم بعض المنغصات السياسية من حين إلى آخر.
الكابوس الصينى الأول فى كل ما يجرى فى الإقليم أن تدخل السعودية وإيران فى مواجهة عسكرية، لأنها قد تجبر على الانحياز لطرف على حساب آخر، وكلاهما يمثل مصلحة صينية.
السياسة الصينية براجماتية إلى أبعد حد واستراتيجية طوال الوقت، تراهن على الاقتصاد أولا وثانيا وعاشرا، تمتلك نحو (٣٥٪) من سندات الخزينة الأمريكية لكنها تدرك أنه سلاح ذو حدين فهو وسيلة ضغط لكن استخدامه قد يضرها، تدرك أنها لا تمتلك مقومات القوة الشاملة رغم صعودها الاقتصادى الكبير وقوتها الناعمة لا تسعفها، تحاول أن تتجنب جرها إلى أى سباق تسليح مع الولايات المتحدة يستنزف طاقاتها على ما جرى للاتحاد السوفييتى السابق، أو أن تدخل فى أى صدام عسكرى من أجل أى شريك استراتيجى كروسيا، التى ينظر إليها على أنها غير محصنة ضد التغيرات الجيوبولوتيكية لأمد طويل.
اتساقا مع هذه الخيارات الاستراتيجية فإن الصين سوف تقف إلى النهاية ضد أى عمل عسكرى برى فى اليمن ومع كل جهد سياسى لتسوية الأزمة بين الأطراف المتنازعة.
بنفس القدر فإن أحدا لا يتوقع أدنى تغير صينى أو روسى فى الأزمة السورية.
سوريا تقع فى قلب مثلث الشركاء الإقليميين إيران والسعودية وإسرائيل واستراتيجيتها تفضل «أن ينجح الحكم السورى فى فرض الحد الأدنى من النظام العام وفى إضعاف القوى المتطرفة بدلاً من انهيار هذا الحكم والسماح للتطرف الإسلامى بالتمدد إلى آسيا الوسطى، حيث يكون التهديد وجوديا ليس لجمهوريات هذه المنطقة بل للصين وروسيا».
بالإضافة إلى ذلك فإن تدمير نظام «بشار الأسد» يستهدف بالأساس النيل من إيران أحد الشركاء الثلاثة الرئيسيين فى الإقليم.
الرهان الصينى على مناهضة أية حروب فى الإقليم أو خارجه يرتبط باستراتيجيتها فى التحول إلى قطب دولى منافس للولايات المتحدة، إذ قد تعرقل مواصلة البناء الاجتماعى والاقتصادى وتؤذى عملية التنمية فيها بعكس المنظور الأمريكى.
من نفس الزاوية تنظر إلى الجماعات الإرهابية باعتبارها تهديداً محتملاً لأمنها القومى، تدرك تماما أن هذه الجماعات حظيت برعاية دولية وإقليمية مباشرة وغير مباشرة حاولت توظيفها فى منطقة حساسة تقع بين إيران والسعودية وإسرائيل وسوريا والعراق وقد انقلبت على رعاتها.
هذه النظرة للإرهاب وجماعاته تتسق إلى حد كبير مع ما تتبناه القاهرة غير أن الأخيرة تفتقد إلى استراتيجية إقليمية متماسكة ورجال دولة قادرون على مهامها.