مفاجآت في انتظار أوباما

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 16 مايو 2009 - 9:32 ص بتوقيت القاهرة

 قبيل تولى الرئيس الأمريكى باراك أوباما مقاليد الحكم فى يناير الماضى، كثر عقد الندوات والاجتماعات فى القاهرة كما فى غيرها من العواصم، وكلها تحاول استكشاف السياسة المقبلة للإدارة الأمريكية، وكيفية تعاملها مع مختلف المشكلات. وفى إحدى هذه الندوات التى جرت بدعوة من مؤسسة كارنيجى للسلام وشاركت فيها، أكدت أستاذة جامعية أمريكية أن الرئيس الجديد سيكون على النقيض من سلفه، حيث سيعتمد الدبلوماسية وليست الحرب سبيلا لحل النزاعات، وسيحرص على مشاركة الأصدقاء والحلفاء فى الرأى بعيدا عن الانفراد بالقرار، كما أنه سيسعى جاهدا لتحسين صورة أمريكا الخارجية بعد أن نجح بوش، بامتياز، فى تلطيخ سمعة الولايات المتحدة على امتداد ثمانية أعوام كاملة. غير أن الباحثة الأمريكية عبرت فى نفس الوقت عن مخاوفها من حدوث ما لا يحمد عقباه، أو وقوع مفاجئات غير متوقعة، تدفع أوباما دفعا إلى تغيير مسار سياسته أو على الأقل مراجعة حساباته. وأضافت أن آفة أى رئيس أمريكى جديد تتمثل فى وقوع مفاجأة لم تكن فى حسبانه.

ويبدو أن الأستاذة الأمريكية كانت محقة فى تحليلها. فمن الواضح الآن أن أكثر من مفاجأة كانت فى انتظار الرئيس الجديد بالفعل. وأكاد أشعر بأن الرصيد الكبير من النيات الحسنة التى انطلق بها أوباما فى مسيرته للبيت الأبيض، قد اصطدمت بواقع عالم مضطرب عليه أن يتعامل معه بواقعية أكثر وبمثالية أقل.

ولعل أول ما تكشف أمام أوباما مدى تشعب الأزمة الاقتصادية التى ضربت العالم، والأهم أن مسببها الأساسى تمثل فى ذلك القدر من الجشع والأنانية لدى رجال المال والأعمال فى أمريكا وخارجها، بحيث وجد الرئيس الأمريكى نفسه وجها لوجه أمام رأسمالية متوحشة لا تكترث فى قليل أو كثير بمصالح الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وهى المصالح التى حاول الدفاع عنها طوال حملته الانتخابية.

ومما لا شك فيه أيضا أن أوباما قد تبين له أبعاد الورطة التى أوقع بوش بلاده فيها بغزوه العراق فى عام 2003، والمشكلات التى نمت وترعرعت منذ ذلك الوقت فى ظل الاحتلال، سواء كانت أمنية أو طائفية أو عرقية. ولابد أنه يسمع الأصوات من داخل أمريكا المنادية بالإبقاء على قدر لا بأس به من القوات الأمريكية حتى بعد الموعد المتفق عليه للانسحاب فى نهاية عام 2011، بل ربما يشفق أوباما الآن على مصير هؤلاء فى العراق الذين روجوا للغزو فى البداية، بعد أن «يحمل الاحتلال عصاه على كاهله ويرحل».

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى لابد وأن أوباما قد أصابه قدر كبير من الإحباط جراء الموقف الإيرانى غير المتجاوب من اليد الأمريكية الممدودة إليها، خاصة أنه يدعوها فى الواقع إلى مشاركة أمريكا فى التعامل مع مشكلتين كبيرتين هما الوضع فى كل من العراق وأفغانستان. وعلى الجانب الآخر نجد أن إسرائيل مستمرة فى الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل القيام بعمل عسكرى، أمريكى أو إسرائيلى، لإجهاض المشروع النووى الإيرانى. ووسط هذه المتناقضات قد يمكن تصديق ما تردد من أن إسرائيل على استعداد لإبرام صفقة مقايضة تضمن لها التخلص من الخطر الإيرانى، فى مقابل التجاوب بشكل أكبر مع جهود ومتطلبات السلام فى الشرق الأوسط.

غير أن أكبر المفاجآت التى كانت فى انتظار أوباما فهى المتعلقة بكل من أفغانستان وباكستان. فالهدف الأصلى من الغزو الأمريكى لأفغانستان، الذى جاء بعد شهر واحد من أحداث سبتمبر 2001، كان القضاء على تنظيم القاعدة المسئول عن هذه الأحداث. لكن ما يجرى حاليا من قتال بين طالبان والقوات الأمريكية فى أفغانستان قد جعل من الولايات المتحدة طرفا فيما يشبه الحرب الأهلية هناك. وكلما ازداد التورط الأمريكى فى هذه الحرب ازداد حنق الأفغان على الولايات المتحدة وما يجره تدخلها من دمار وخراب. ويقرنون الآن فى أمريكا بين أوباما وحرب أفغانستان، تماما كما اقترن اسم بوش بحرب العراق.

ويقودنا هذا الواقع المتدهور فى أفغانستان إلى وضع مماثل فى باكستان المجاورة. ففى محاولة لتخفيف الضغوط على القوات الأمريكية والمتحالفة معها فى أفغانستان، قرر الرئيس الأمريكى السابق بوش فى سبتمبر الماضى توسيع دائرة الحرب عن طريق هجمات على مناطق القبائل داخل الحدود الباكستانية بزعم وجود عناصر من طالبان والقاعدة هناك. ولم يغير أوباما شيئا من هذه الإستراتيجية، واستمرت الهجمات على وتيرتها، وازداد السخط على الولايات المتحدة وعلى الحكومة الباكستانية التى لم تتخذ موقفا حازما أمام التدخل الأمريكى. والتحدى الأكبر الذى يواجه أوباما حاليا يتمثل فى استيلاء مقاتلى طالبان الباكستانية على معظم أجزاء «وادى سوات» الواقع فى الشمال الغربى من باكستان، وقبول الحكومة الباكستانية اتفاقا فى فبراير الماضى يقضى بوقف إطلاق النار والسماح لطالبان وأنصارها بتطبيق الشريعة الإسلامية فى هذه المناطق. غير أن الولايات المتحدة اعتبرت هذا الاتفاق رضوخا كاملا لإرادة طالبان، وحثت الحكومة على شن هجوم جديد أكثر ضراوة على معاقل طالبان على الرغم من أن ذلك قد أدى، كما هو واضح الآن، إلى تفاقم المأساة الإنسانية هناك، ونزوح مئات الآلاف من السكان بعيدا عن مناطق القتال.

والهاجس الأمريكى الأكبر يتمثل فى خطر سقوط المنشآت النووية الباكستانية فى أيدى طالبان، أو على الأقل نفاذهم إلى هذه الإمكانات بطريقة أو أخرى، وهو الأمر الذى تنفى الحكومة الباكستانية بشدة إمكانية حدوثه تحت أى ظرف من الظروف.

ويبدو الآن أن مخاوف الباحثة الأمريكية من حدوث مفاجآت كان لها ما يبررها. وتدفع التحديات التى يواجهها أوباما حاليا إلى مراجعة حاسباته وإعادة تقييم مواقفه، فبدلا من أن يتخلص من إرث بوش الثقيل، يجد نفسه الآن منغمسا أكثر فأكثر فى المستنقع الأفغانى ــ الباكستانى.

وطبيعى، أن نقلق نحن فى منطقتنا من هذا الخلل فى أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة لغير صالحنا، غير أن تشابك المشكلات وتداخلها وتأثيراتها المتبادلة على مستوى العالم، يحرم أى طرف بما فى ذلك الولايات المتحدة من ترف تجاهل أى من هذه المشكلات، خاصة تلك القابلة للانفجار فى أى وقت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved