المحظورات الثلاثة

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 15 مايو 2011 - 8:21 ص بتوقيت القاهرة

المحظور الأول ــ إن كنا نريد بناء مصر الدولة والمجتمع الديمقراطى والتخلص من إرث الاستبداد والفساد، يتعين علينا أن ندرك أن اهتمامنا بقضايا الجوار العربى ليس له أن يأتى إلا فى مرتبة لاحقة على الشئون الداخلية.

نصرة فلسطين والفلسطينيين، مواجهة آلة العنف والاستيطان الإسرائيلية، التضامن مع ثورات المواطنين العرب الديمقراطية، استقرار لبنان والحفاظ على تنوعه وتعدديته، والكثير من قضايا الجوار العربى المصيرية ليس لها أن تطغى على تحديات ومخاطر بناء الديمقراطية فى الداخل وما تقتضيه فى المرحلة الراهنة من توجيه طاقاتنا المجتمعية والسياسية لوضع مصر خلال الأشهر القادمة على مسار أمن للتحول الديمقراطى.

والحقيقة أن القوى الوطنية والسياسية، على اختلاف أطيافها وتنوع رؤاها، توافقت بوضوح منذ اليوم الأول للثورة المصرية على إعطاء الأولوية للشأن الداخلى فى مقابل الإقليمى والخارجى ولم تحد قط عن هذا التوافق لا فى خطابها العلنى ولا فى فعلها السياسى. فقط دعاة مليونيات الزحف والتحرير يخرجون اليوم على توافقنا الوطنى، ويضعون مصر فى مواجهة توترات لا نحتملها على حدودنا الشرقية وأمام صراعات إقليمية محتملة نحن فى غنى عنها.

ليست هذه دعوة للانعزال، بل لضبط البوصلة الإستراتيجية للدور الإقليمى لمصر انطلاقا من أولوية الداخل. لا نملك الابتعاد عن الجوار العربى إن لمصالحنا المباشرة أو لدورنا المتخطى حدود الوطن، ونجاح الحكومة فى إنجاز المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس وتضامن المجتمع المدنى مع الثورات الديمقراطية فى ليبيا وسوريا واليمن والبحرين دليلان جليان على هذه الحقيقة. ليست هذه دعوة للانعزال، فنجاح الثورة المصرية فى بناء الديمقراطية يستدعى بين عوامل كثيرة وجود بيئة إقليمية حاضنة وداعمة لنا والسبيل إلى هذا هو دبلوماسية مصرية رسمية وشعبية نشيطة تتقاطع مع القضايا العربية.

ليست هذه دعوة للانعزال، بل تجنب محظور التورط توترات وصراعات إقليمية نحن فى غنى عنها اليوم. لا ضرر على الإطلاق فى حراك شعبى منضبط لنصرة فلسطين والشعب الفلسطينى وثورات المواطنين على امتداد العالم العربى، حراك منضبط بمعنى الالتزام بالشروط القانونية للتظاهر والاعتصام ومنضبط بمعنى إدراك مقتضيات المصلحة الوطنية وأولوية الداخل.

المحظور الثانى ــ إن كنا نريد بناء مصر الدولة والمجتمع الديمقراطى والتخلص من إرث الاستبداد والفساد، يتعين علينا إعطاء أولوية قصوى للشأن الاقتصادى. أشرت أكثر من مرة فى مقالات سابقة، وأشار غيرى، إلى خطورة الحالة التى بلغها الاقتصاد المصرى والتراجع الحاد فى معدلات الإنتاجية والتوقف شبه الكامل للاستثمارات الداخلية والخارجية.

واليوم أطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة إلى التوجه للمصريين بخطاب تطمينى واضح ينقل لهم شيئا من التفاؤل بمستقبل البلاد السياسى على الرغم من تحديات البناء الديمقراطى الكبرى، ويعرض عليهم بموضوعية خطورة الحالة الاقتصادية الراهنة والسياسات المقترحة لاحتوائها والخروج منها ووضع مصر على مسار تنمية اقتصادية متوازنة تكفل العدالة الاجتماعية، ويحثهم على العمل ثم العمل ثم العمل للإسهام بإيجابية فى تعافى الاقتصاد.

تحتاج المصالح الاقتصادية والمالية فى الداخل والخارج، خاصة بعد شىء من التخبط صبغ القرارات الحكومية فى الأشهر الماضية وبعض الأحكام القضائية اللاغية لمعاملات اقتصادية سابقة والتى أثارت قلق رأس المال الخاص، إلى تطمينات رسمية تتعلق باستمرار اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية كخيارات إستراتيجية لا عودة عنها.

فمحاسبة الفاسدين والمحتكرين من النافذين فى النظام السابق والعمل على ترشيد بعض قرارات بيع المصالح الاقتصادية الحكومية التى أضرت بالمصلحة العامة لا بد أن تتم فى إطار من الشفافية والالتزام بسيادة القانون وحرية النشاط الاقتصادى.

اليوم أيضا أطالب القوى الوطنية والسياسية أن تنشر ذات الرسائل التطمينية بين المواطنات والمواطنين وأن تخصص بعض نشاطها الجماهيرى للتوعية حول خطورة الوضع الاقتصادى والظروف المعيشية وضرورة العمل الجاد ورفع معدلات الإنتاجية كمسئولية كل المصريين. ما يبثه البعض فى النقاش العام حول أموال نهبها النظام السابق وستكفل استعادتها عافية الاقتصاد المصرى ورخاء الجميع ما هو إلا صنو صناعة لوهم دافع إلى التكاسل والانتظار.

المحظور الثالث ــ إن كنا نريد بناء مصر الدولة والمجتمع الديمقراطى والتخلص من إرث الاستبداد والفساد، يتعين علينا حكومة وقوى وطنية ومجتمع مدنى ومبادرات أهلية الاجتهاد لتطوير آليات تفاوض حقيقية ومنظمة بين الدولة والمواطنين تحتوى التوترات الاجتماعية والطائفية وتضبط ضغط التوقعات الشعبية.

فلن يضر تعدد جهات ومستويات الحوار الوطنى شريطة التنسيق التام بينها وتحديد اختصاصاتها وصلاحياتها آلياتها. ليس بسلبى أيضا أن ينشط المجلس القومى لحقوق الإنسان لاحتواء التوترات الطائفية وإعداد مشروعات لقوانين خاصة بدور العبادة وحظر الممارسات التمييزية وأن تشكل رئاسة الوزراء أيضا لجنة للعدالة الوطنية لها مهام مشابهة، مرة أخرى شريطة التنسيق الكامل بينها.

وينطبق ذات الأمر على مبادرات النقابات المستقلة والمجتمع المدنى الذاهبة باتجاه التفاوض مع الدولة حول قضايا نقابية واجتماعية واقتصادية.

التنسيق وتحديد اختصاصات وصلاحيات وآليات جهود التفاوض ضرورة لا غنى عنها، إن أردنا الابتعاد عن محظور تعددية تشتت جهود الحكومة والمجتمع وتصيب المواطنات والمواطنين بحالة من الدوار بداية ثم فقدان الأمل نهاية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved