ثمن الثورة
سمير كرم
آخر تحديث:
الأربعاء 15 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
بين علماء الاجتماع الغربيين ــ الأمريكيين بصفة خاصة ــ من يتخصصون فى «علم اجتماع الثورة». وبين هؤلاء المتخصصين فئة تعنى مباشرة بما تطلق عليه وصف «ثمن الثورة» ومنهم من كتب فعلا عما سماه «حساب تكاليف الثورة».
ومن الطبيعى أن نلاحظ أن معظم علماء اجتماع الثورة ينقسمون إلى فريقين: الأول يعتبر أن ثمن الثورة باهظ ومرهق حتى للجماهير التى تظن أن الثورة تقوم من أجل تحسين أوضاعهم، ولهذا لا يتردد هذا الفريق فى النأى عن دفع ثمن الثروة لأن النظام القديم الذى تريد الثورة الإطاحة به قدر بتكاليف أقل كثيرا على الارتقاء بالمجتمع بما فيه أولئك الذين يدقون طبول الثورة.
أما الفريق الثانى فيعتبر أن ثمن الثورة لا يكاد يصل إلى جزء بسيط من المزايا والفوائد التى يمكن أن يجنيها المجتمع إذا ما نجحت الثورة فى القضاء على النظام القديم وأسست نظاما جديدا له قواعد مختلفة وأهداف أعلى ما كان يمكن للنظام القديم أن يتصور مجرد السير على بداية الطريق نحو تحقيقها.
●●●
نحن إذن أمام فريقين أحدهما يؤكد أن ثمن الثورة لا يمكن أن يقارن بالثمن الذى يدفعه المجتمع مقابل استمرار النظام القديم، والثانى يؤكد أن الثورة تخدم حقا قضية التقدم الاقتصادى والاجتماعى. فإلى أى حد يمكن تطبيق هذه النظرية بوجهيها المتعارضين على ثورتنا المصرية؟ وحتى لا نغوص فى تفاصيل نظرية كثيرة قبل أن نجيب عن هذا السؤال يمكننا أن نقول أن الإخوان المسلمين ــ وقد تسلموا سلطة الحكم ــ يبدون قادرين على إقناع انفسهم، على الأقل إن لم يكن إقناع فئات اجتماعية أخرى، بأنهم هم الثورة والثورة هم. ولكن إذا عدنا إلى نظرية ثمن الثورة ندرك أن المسالة لا يمكن أن تقاس بهذه الطريقة.
الطريقة الصحيحة هى معرفة من دفع ثمن الثورة بصرف النظر عن تقييمها بما اذا كان هذا الثمن اكبر من فوائد الثورة أو أقل منها. ولمعرفة إجابة صحيحة على السؤال عن من دفع ثمن الثورة لابد أن نعود إلى ما قبل 25 يناير 2011. وندرك هنا أن الإخوان المسلمين لم يؤدوا أى دور يذكر فى تكوين هذه الثورة أو الإعداد لها، لا فى السر ولا فى العلن. وندرك أيضا أن التنظيمات الثورية والشبابية – مثل حركة «كفاية» وحركة «6 ابريل»، على سبيل المثال لا الحصر، بذلت جهودا هائلة استغرقت سنوات فى الإعداد ليوم 25 يناير 2011 فيما كان الإخوان المسلمون يمارسون عملية التقرب إلى نظام حسنى مبارك ومفاوضته من أجل دور لهم مهما كان جانبيا، حتى بعد أن حرمهم من انتصار انتخابى فى 2010. ولم يذكر أحد من الجانبين هذه الحقيقة من قبل خلال أى مناقشة عن دور الإخوان فى الثورة، فقد اقتصرت المناقشة على مسالة متى دخل الإخوان مضمار الثورة (...) لتأمين استمرار المظاهرات بأحجامها الثورية الضخمة. وفى الحقبة القصيرة بين 25 يناير حتى 11 فبراير كان الشبان الثوريون والجماهير الثورية بشكل عام يبذلون أقصى جهودهم حتى سقط مبارك بالتنحى. فى الوقت نفسه تبين لقادة الإخوان المسلمين أنهم إما أن ينضموا إلى الثورة أو فإنها ستصبح ضدهم بقدر ما هى ضد حسنى مبارك ونظامه. فإما أن ينضموا للثورة أو يخسروا أعدادا لا يمكن حصرها من شبان الإخوان المسلمين الذين يمكن فى مثل تلك الظروف أن يكتشفوا خيانة التنظيم لهم وللثورة.
لهذا كان قرار قادة التنظيم الإخوانى بأن ينضموا إلى صفوف الثورة. وهنا لم يلاقوا أية عراقيل من قبل الثوريين إنما قوبلوا بالترحيب شأنهم شأن الشبان المصريين العاديين الذين لا ينتمون إلى أية تنظيمات سياسية ثورية محددة المعالم والأهداف. فما الذى حدث بعد ذلك؟
فى اجتماعات قيادات التنظيم الإخوانى قرروا الاستيلاء على الثورة. وقد يكون تعبير الاستيلاء هذا نفسه قد استخدم إنما المؤكد أنه لم يستخدم عندما صيغ فى بيان وزع على جماهير الإخوان على أوسع نطاق. وكان هذا أول بيان يذكر أن الثورة المصرية هى ثورة قام بها الإخوان وأن الخطوات التالية ستؤكد انتماء الثورة إليهم دون غيرهم. وعلى الرغم من أن الثورة لم تكن قد تبنت قيادة لها فإن الإخوان المسلمين انتهزوا الفرصة وتصرفوا تصرف من يعتبر أن الثورة عملهم هم لا عمل غيرهم. وارادوا أن يفهم فى هذا الحال أن قيادة الإخوان ابتداء من المرشد فى أعلى التنظيم هم قادة الثورة ولكن دون إعلان صريح بذلك لأنه كان يشكل استفزازا للثوار لا مثيل له.
●●●
نجحت الخبرات السياسية والتنظيمية التى استخدمها الإخوان المسلمون فى الاستيلاء على الثورة فى إخراج الجماعات الإخوانية إلى الشارع، ونجحت أيضا فى جعل نفسها أول من تعامل مع قيادات القوات المسلحة الممسكة بالسلطة فى ذلك الوقت، ونجحت فى تجنب معاداة التنظيمات السياسية والثورية الموجودة على أرض الأحداث، ونجحت كذلك فى تجنب إبداء الرأى ــ سلبا أو إيجابا ــ فى الجيش ودوره وقادته. مع ذلك فقد سجل الإخوان فشلا فى القيام بأداء كافٍ لخلق رأى عام يرى فيهم القيادة الفعلية للثورة. وفشلوا أيضا فى اتخاذ مسافة كافية بينهم وبين النظام القديم، فقد ظلوا متمسكين ومهتمين باتصالاتهم بأقطاب من الحزب الوطنى. وتبين فيما بعد أنهم أبقوا على هذه الصلات لتحقيق اهداف محددة، الأساس فيها أهداف مالية. كذلك فقد فشلوا فى الاستعداد عمليا وسياسيا للانتخابات التى بدا أنها المنقذ من حالة الضياع التى عاشها البلد.
بعد ذلك خاض الإخوان المسلمون، من موقع قوة تنظيمهم وقدراته، الحرب الانتخابية. ويمكن القول بأنهم خرجوا منها – بما فى ذلك انتخابات الإعادة بين محمد مرسى والفريق أول أحمد شفيق – بأدنى انتصار ممكن فى الفوز بمنصب رئيس الجمهورية. هذا فضلا عن كل ما مس سمعتهم السياسية والاخلاقية من أدلة وأدلة مضادة على أن فوزهم بالرئاسة كان نتيجة جهد تجلى فى التزوير والتلاعب بالنتائج.
ولم يبد أن الإخوان المسلمين وقد استولوا على رئاسة الجمهورية حاولوا بأى شكل تبرئة انفسهم من سلوك كان قد بدا من نظام المخلوع حسنى مبارك بما فى ذلك قتل الشبان فى المظاهرات واعتقال العشرات بل المئات منهم. إنما الأمر المؤكد هنا أن الإخوان يبدون تصميما لا يعادله تصميم من أى تنظيم سياسى آخر على دفع ثمن الثورة الذى يدفعه الثوريون الحقيقيون. وهؤلاء هم الشبان الثوريون الذين يبدون حتى الآن تصميما عميقا وواضحا على أن يواصلوا السير فى طريق الثورة فى مواجهة حكم الإخوان المسلمين، بصرف النظر عن الثمن الذى يدفعونه من أجل ذلك.
●●●
هنا يمكن القول إن الثوار مستمرون فى دفع ثمن الثورة، بينما الإخوان يمارسون الحكم بتصميم أكيد على ألا يدفعوا هم أى ثمن للثورة، بل إن يرغموا شبان الثورة وكل المتمسكين بها على دفع هذا الثمن.
وفى النهاية، عندما يأتى وقت حساب ثمن الثورة وحساب تكاليفها، فإن الثورة تدين لمن يدفع ثمنها لا لمن يتهرب من دفعه.
كاتب صحفى مصرى