جدول الأعمال المعلن لاجتماع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع 15 رئيس دولة إسلامية المقرر عقده الأسبوع المقبل بالسعودية، هو تنسيق الجهود فى الحرب على الأرهاب، فى حين تقول صحف غربية إن الهدف الحقيقى لهذه القمة هو شن الحرب على إيران، بتمزيقها من الداخل من خلال إثارة القلاقل والاضطرابات المسلحة، بدعم وتسليح الأقليات العرقية لتنشق عن النظام الحاكم فى طهران !
الجولة الأولى من الحرب بين السعودية وإيران المندلعة منذ عدة سنوات فى سوريا واليمن، لم تسفر عن أية تغييرات تذكر فى معادلة الصراع بين البلدين، ولم تحقق الأهداف السعودية لتحجيم الخطر الشيعى، أو اقتلاع النفوذ الإيرانى الذى يتغلغل ببطء داخل الدول السنية، فى نفس الوقت الذى ترى فيه طهران أن زيارة ترامب للسعودية تستهدف فى الأساس حماية إسرائيل من أية اخطار إيرانية مزعومة، فى حين لم تستبعد مصادر غربية عسكرية اندلاع حرب صواريخ بين الرياض وطهران، ومواجهات بحرية فى بحر العرب، باعتبار ان الحرب البرية بين البلدين لم يحن وقتها بعد، خاصة أنها ــ إذا بدأت الآن ــ قد تضع المنطقة كلها على فوهة بركان جامح.
العديد من الدوائر السعودية التى ترى فى زيارة ترامب، تدشينا لزعامة المملكة للعالم الإسلامى، بعد أن كانت تركيا والقاهرة تتنازعان هذا الدور، ربما يلقى الضوء على طموحات الأمير الشاب محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى، فى مد النفوذ السعودى فى العالم الإسلامى كله، لكنه يكشف أيضا عن انقلابات إستراتيجية تعيد ترتيب الأولويات المستقرة فى الشرق الوسط منذ أربعينيات القرن الماضى، والتى يمكن رصدها فيما يلى:
** أعتبار إيران وليس إسرائيل هى الخطر الحقيقى الذى يواجه الشعوب العربية، بحيث يبدو وكأن الحرب على إيران والسلام مع إسرائيل وجهان لعملة واحدة، وهو الوضع الذى يستتبعه بالضرورة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وإجراء تغييرات جذرية فى عقيدة الجيوش العربية التى ينبغى ان يتم تسليحها وتوجيه تدريباتها ومناوراتها ناحية الحرب على الإرهاب وليس الحرب على إسرائيل، أو مواجهة السياسات العدوانية الإسرائيلية.
** تصفية القضية الفلسطينية، وعدم اعتبارها القضية المركزية للدول العربية، وفرض حلول على الفلسطينيين لا تحقق الحد الأدنى من أهدافهم القومية، بحيث تكون لإسرائيل السيطرة الكاملة على أى دولة فلسطينية قد ترى الوجود مستقبلا.
** استبعاد الدور الريادى المصرى فى المنطقة العربية والإسلامية لصالح الدور السعودى والإسرائيلى، وهو ما يعنى استغلال الأوضاع الاقتصادية السياسية والصعبة التى أنهكت مصر لصالح أجندات جديدة ورؤى مختلفة عن الوظائف التنويرية التى كان يقوم بها العقل المصرى الذى كان جسرا بين الحداثة الغربية ومختلف دول الإقليم، لصالح رؤى وتوجهات محافظة تجاوزتها مصر منذ بدايات حكم محمد على.
** تحجيم القوى المناهضة للمشاريع الأمريكية داخل الدول العربية، وتأكيد إدارة ترامب على عدم ممارسة أية ضغوط على الدول العربية التى تنتهك حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، طالما تسير فى فلك أمريكا وتنفذ سياساتها وتحقق مصالحها.
قد يمكن من خلال هذه التغييرات الإستراتيجية فهم أبعاد «صفقة القرن» التى أشار إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته لواشنطن الشهر الماضى، وسعى السلطة فى مصر لتسليم جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، أو حتى إقدام حماس على إجراء تغييرات على وثائقها الأساسية، إلا ان كل هذه المعادلات تتجاهل حركة الشعوب العربية، وتنفى عليها حقها فى اختيار مستقبلها، بل وتلغى وجودها من الأساس، وهو رهان غير مضمون قد يطيح بكل هذه التوجهات الجديدة، التى يرتبط تنفيذها ببقاء ترامب فى السلطة، وبقاء اوضاعنا الديمقراطية البائسة فى العالم العربى كما هى عليه.